محمد سليم العوا
أصدر المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، تقريراً سيقدمه إلى الدائرة التمهيدية المختصة بالمحكمة الجنائية الدولية \" وفقاً لنص المادة ٥٨ من نظامها \" بطلب القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير لمحاكمته بموجب النظام الأساسي للمحكمة الصادر في روما عام .١٩٩٨
ويثير هذا الموقف من المدعي العام تساؤلات عديدة عن مدى جوازه من الناحية القانونية الدولية، وعن مدى صحته طبقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وعن مدى تعبيره عن حقائق واقعية تشكل جرائم ضد الإنسانية تقتضي تدخلاً دولياً، وعن الآثار التي قد تترتب على تنفيذ طلب المدعي العام ـ إذا تم تنفيذه ـ بالنسبة لدول العالم بوجه عام، وبالنسبة للدول العربية بوجه خاص .
وأحاول إيجاز ذلك كله في الملاحظات الآتية :
ولاية المحكمة \" \" ١ المحكمة الجنائية الدولية أنشئت بموجب معاهدة دولية ملزمة للأطراف التي صدقت على الانضمام إليها دون غيرها، هذه المعاهدة هي المعروفة باسم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، وقد اعتمد هذا النظام في روما في ١٩٩٨ / ٧ / ١٧ أي
منذ عشر سنوات كاملة .
والدول التي صدقت على هذه المعاهدة بلغ عددها حتى \" ١٠٦ \" ٢٠٠٨ / ٦ / ١ دول، منها ٣٠ دولة إفريقية، و١٣ دولة آسيوية، و١٦ دولة أوروبية شرقية، و٢٢ دولة من أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي، و٢٥ دولة من أوروبا الغربية وغيرها، ويدخل تحت تعبير \" وغيرها \" الوارد في البيان الرسمي للدول الأعضاء في نظام روما، دولتان عربيتان هما : الأردن وجيبوتي، ولم تصدق أي دولة عربية – سوى هاتين الدولتين – على نظام المحكمة .
والمقرر في قواعد القانون الدولي – بغير خلاف – أن المعاهدات الدولية لا تسري إلا على الدول الأطراف فيها، وأنه لا يمكن إجبار دولة على الالتزام بأحكام معاهدة، أو الخضوع لها، دون أن تكون طرفاً فيها .
ولم يخرج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عن قاعدة اقتصار آثار المعاهدات على أطرافها فقد نص في مادته الثانية على أن \" جمعية الدول الأطراف \" هي التي تعتمد اتفاق تنظيم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة، ونص في مادته الثالثة / ٢ على أن \" جمعية الدول الأطراف \" هي التي تعتمد اتفاق المقر الذي يبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة مع دولة المقر \" هولندا \" .
ونص في مادته الرابعة / ٢ على أن للمحكمة أن تمارس وظائفها ومسئوليتها على النحو المنصوص عليه في هذا النظام الأساسي في إقليم أي دولة طرف، ونص في مادته الحادية عشرة / ٢ على أنه \" إذا أصبحت أي دولة من الدول طرفاً في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة \" .
وقد أكدت هذا المبدأ نصوص المواد \" \" ١٢ و \" \" ١٣ و \" \" ١٤ والمادة \" ٣٤ في فقرتها رقم أ، ب، ج، وفقرتها رقم / ٦ أ وفقرتها رقم / ٨ أ، ب \" والمادة \" \" ٤ / ٤٢ والمادة \" \" ١ / ٤٨ والمادة \" \" ٢ / ٥١ والمادة \" \" ٣ / ٥٢ والمادة \" \" ١ / ٥٩ ، وغيرها من النصوص التي تشير إلى \" الدولة الطرف \" أو إلى \" الدول الأطراف \" .
ونصوص النظام الأساسي للمحكمة عددها \" \" ١٢٨ مادة، ليس فيها مادة واحدة تخول المحكمة اختصاصاً على مكان أو شخص لا يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء في تلك المعاهدة الدولية المعروفة بـ \" نظام روما .\" ١٩٩٨ ونتيجة ذلك ـ قانوناً ـ أن السودان وأراضيه وأبناءه من المسئولين الحكوميين أو السياسيين أو من غيرهم لا يمكن بحال من الأحوال أن تنطبق عليهم نصوص نظام المحكمة الجنائية الدولية لسبب بسيط هو أن السودان ليس عضواً في هذه الاتفاقية التي لا تسري نصوصها إلا على الدول الأعضاء فيها .
معلومات مغلوطة
\" \" ٢ تنظم المادتان \" \" ٥٣ و \" \" ٥٤ من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وظيفة المدعي العام المعين أمامها، وهما توجبان عليه – ضمن واجبات عديدة – أن يتأكد من أن المعلومات التي أتيحت له توفر أساساً معقولاً للاعتقاد بأن جريمة تدخل في اختصاص المحكمة قد ارتكبت أو يجري ارتكابها .
ومن أن القضية مقبولة أو يمكن قبولها بموجب المادة \" \" ١٧ ، وأن يوسع نطاق التحقيق ليشمل جميع الوقائع والأدلة المتصلة بتقدير ما إذا كانت هناك مسئولية جنائية بموجب هذا النظام الأساسي، وأن يحقق في ظروف التجريم والتبرئة على حد سواء .
وقراءة تقرير المدعي العام، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، تبين أنه لم يزر السودان، وطبعًا لم يزر دارفور، ولم يزر أي من معاونيه الذين ذكرهم النظام الأساسي للمحكمة السودان أو دارفور، فكيف يتسنى له أن يتأكد من المعلومات بحسب نص المادة \" \" ٥٣ ، وأن يوسع نطاق التحقيق طلباً للحقيقة عملا بنص المادة \" \" ٥٤ من النظام الأساسي للمحكمة؟ !
لقد اعتمد السيد أوكامبو على معلومات وصلته من معارضين سودانيين يقيمون في أوروبا – وربما في الولايات المتحدة – وعلى تقارير إعلامية، وسمى ذلك وثائق، وعدَّدها فجعلها سبعة آلاف وثيقة \"!\"وهي كلها لا توصف بأقل من أنها غير محايدة، وهي – بلا شك – قد وصفت الحال في دارفور بما أملاه هوى كاتبيها لا بحقيقة الحال لأن الذي أورده المدعي العام في تقريره المأخوذ منها ليس صحيحًا جملة وتفصيلا .
ودارفور ليست في المريخ، وليس الوصول إليها مستحيلا، والسودان تَعَاون مع كل من اهتم بموضوعها في إتاحة فرصة الوصول إليها واللقاء بالمسئولين السودانيين وزعماء المعارضة، وبأهل دارفور في محافظاتها الثلاث، والوقوف على حقائق الواقع بنفسه .
ولم يقرر أحد من الأشخاص، ولا وفد رسمي من الوفود التي زارت دارفور في خضم الأحداث \" \" ٢٠٠٦ – ٢٠٠٤ صحة أي تهمة مما ردده السيد أوكامبو في تقريره .
لقد زارت وفود من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واتحاد الأطباء العرب، وعشرات المنظمات الأخرى العربية والإسلامية والدولية، دارفور في أثناء سنوات ٢٠٠٤ و٢٠٠٥ و٢٠٠٦، وقبلها وبعدها .
وكانت، ولا تزال فيها، معسكرات دائمة للبعثة الطبية العسكرية المصرية، وللهلال الأحمر السعودي، ولمنظمة الإغاثة الإسلامية، ولبضع وعشرين منظمة إغاثية أوروبية وأمريكية وغيرها، ولم يجد أحد أي دليل على صحة شيء من التهم التي يزعم المدعي العام أنها قائمة في حق حكومة السودان، أو في حق الرئيس البشير .
وأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بياناً ضافياً في ٢٠٠٤ / ٩ / ٧ بعد زيارة وفد منه استمرت خمسة أيام للسودان ودارفور، ولم يبق فيها مسئول له شأن بقضية دارفور، أو معارض له قول فيها إلا وقابله وفد الاتحاد، بمن فيهم الدكتور حسن الترابي الذي كان رهن الإقامة الجبرية يومذاك .
وانتهي الوفد – الذي كان مكوناً من العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد، والمستشار الشيخ فيصل مولوي، والأستاذ الدكتور علي القره داغي عضوي مجلس الأمناء، وكاتب هذه السطور أمينه العام – إلى أن الأخبار التي كان يتداولها الإعلام الغربي، وهي التي بنى عليها السيد أوكامبو تقريره عن التطهير العرقي والإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي، كلها لا أساس لها من الصحة، وأن الوضع في دارفور يرجع إلى جملة عوامل ليس من بينها – يقينا – رغبة الحكومة أو سعيها إلى \" إبادة جماعية \" ، أو مساعدتها على ذلك لأي جماعة ضد أي جماعة عرقية في دارفور .
بل لقد زار دارفور وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، وناقش عددًا كبير ًا من قياداتها السياسية والتنفيذية ومن أبناء قبائلها، وعندما عاد إلى الخرطوم صرح للتلفزيون السوداني، وغيره من أجهزة الإعلام، بأنه لم يشهد أي دليل على التطهير العرقي في دارفور، ثم عند وصوله إلى باريس صرح في المطار بخلاف ذلك \"!\"ويبدو أن السيد أوكامبو استمع إلى التصريح الثاني، ولم يلفت نظره تناقضه مع التصريح الأول .وقدنشرتُ في أعقاب عودتي من دارفور تفصيلا مطولا لحقائق الوضع هناك وأسبابه، واقتراحات السودانيين وغيرهم عن كيفية علاجه، وأثبت بشهادة قضاة، وأساتذة جامعات، وعلماء، ودعاة وممثلين لمختلف القبائل في دارفور أن الأمر فيها لا علاقة له من قريب أو بعيد بالجرائم التي يزعم تقرير المدعي العام أمام المحكمة
الجنائية الدولية أن لديه أدلة على ارتكاب الرئيس السوداني إياها .
وأشرتُ إلى اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي شكلها الرئيس البشير طبقاً لقانون سوداني قديم \" من زمن الإنجليز \" برئاسة قاضي قضاة السودان السابق، العالم الجليل البروفيسور دفع اللهّ الحاج يوسف، وقد ضمت أطباء وقضاة سابقين واختصاصيين نفسيين وخبراء في الشئون العسكرية والأمنية، وانتهت بعد عمل استمر نحو سنة كاملة إلى ذات النتائج التي انتهى إليها وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وتقرير هذه اللجنة منشور في أكثر من مائة صفحة، ومحاضر أعمالها
المثبتة لكيفية إنجازها مهمتها تقع في عدة مئات من الصفحات، وقد قدم السودان تقرير هذه اللجنة، مع غيره من التقارير، إلى مجلس الأمن، فكانت كلها متاحة للمدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية .
وهكذا، فإن المدعي العام الذي يطلب إلقاء القبض على الرئيس عمر حسن البشير لمحاكمته جنائيا، لم يقم بأداء واجباته التي يلزمه بها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقدم معلومات مغلوطة عارية من الصحة، وتجاهل تقارير الوفود المحايدة التي زارت مواقع الأحداث التي استنكف هو عن زيارتها ! وتقرير من هذا النوع لا يصلح – قطعًا – دليلاً أمام أي محكمة تحترم نفسها لتوافق على إلقاء القبض على شخص متهم بجرائم ضد الإنسانية، هذا لو كانت المحكمة مختصة بمحاكمته أصلاً !.
ولعله يهم القارئ أن يعرف أن هذا المدعي العام نفسه كان يدرس أحيانًا في جامعة هارفارد الأمريكية، أستاذًا زائر ًا، وكانت شهرته بين طلابه أنه يتميز بعنف ظاهر، واندفاع لا يخفيه، وشدة في معاملة طلابه غير مألوفةّ، والممارسون لمهنة القانون يعرفون كيف تنعكس مثل هذه الصفات الشخصية على صاحبها عندما يكون في موقع الادعاء !.
رأي مردود
\" \" ٣ إن الواجب على الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية أن تقضي بعدم قبول الطلب المقدم من المدعي العام لتعلقه بدولة ليست عضوة في معاهدة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
ولكن أصواتاً من الغرب، وبعض الأصوات في السودان نفسه، تقول : إن المدعي العام قدم تقريره إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة بناء على طلب من مجلس الأمن، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تحاكم الشخص المعني بناء على نص المادة \" / ١٣ ب \" من النظام الأساسي للمحكمة .
وهذا النص يجيز للمحكمة أن تمارس اختصاصها \" إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت \" ، والجرائم المشار إليها هي الجرائم المبينة في النظام الأساسي للمحكمة .
ولكن هذا الرأي مردود، وغير سديد، فهو مردود لأن اختصاص المحكمة بجميع صوره يقتصر على الدول الأعضاء في معاهدة نظامها الأساسي، ونصوص هذا النظام، كنصوص أي معاهدة دولية أو قانون أو عقد، يجب أن تفسر متكاملة متجانسة يأخذ بعضها بعَضُدِ بعض، ولا يجوز أن يفسر كل نص منها \" مبتورا من سياقه، مقطوعا عن سباقه ولحاقه \" ، بحيث تتضارب الأحكام، وتتنافر النتائج على نحو يأباه المنطق القانوني السليم .
وهو غير سديد لأن اختصاص مجلس الأمن بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة هو اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويجوز له بموجب المادة \" \" ٤٢ وما بعدها من الميثاق أن يتخذ تدابير عسكرية بما فيها استخدام القوة \" لحفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه \" .
وليس في هذا الفصل، لا في ميثاق الأمم المتحدة، ولا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ما يخول مجلس الأمن، ولا المدعي العام، إلزام دولة مستقلة ذات سيادة بأحكام وإجراءات تقررها معاهدة ليست هذه الدولة طرفًا فيها .
وعلى أساس هذا المنطق المسلّم في النظم القانونية كلها، يكون اختصاص مجلس الأمن بموجب المادة \" / ١٣ ب \" من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مقصور ًا على حالات وقوع الجرائم المشار إليها في نص تلك المادة في دولة، أو من دولة، عضو في اتفاقية النظام الأساسي للمحكمة .
وطلب مجلس الأمن الذي يوجهه إلى المدعي العام في شأن غير الدول الأطراف في ذلك النظام الأساسي لا قيمة له قانونا، ولو كان هذا المدعي العام يمارس عمله بالاستقلال المنصوص عليه في المادة \" \" ١ / ٤٢ من النظام الأساسي لرد هذا الطلب إلى مجلس الأمن لعدم تعلقه بدولة من الدول الأطراف في نظام المحكمة .
وهكذا يتبين أن المادة \" / ١٣ ب \" من نظام المحكمة لا توفر سندا قانونيا مقبولا لما قام به المدعي العام، كما لا يمكن أن توفر هذه المادة أي سند لقرار تصدره الدائرة التمهيدية بالمحكمة للقبض على الرئيس عمر البشير .
حصانة البشير
\" \" ٤ يبقي أن نشير – في هذه الملاحظات العاجلة – إلى أن عمر حسن البشير رئيس دولة وهو – وفق العرف المستقر في القانون الدولي – يتمتع بحصانة قضائية وسياسية لا يمكن النيل منها إلا وفق دستور بلاده وقانونها، وفي النظام الأساسي
للمحكمة نص المادة \" \" ٢٧ الذي يقرر أن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسًا لدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبًا أو موظفًا حكوميדָا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي .
والنص ناطق صراحة بأنه يعمل في ظل \" النظام الأساسي للمحكمة \" ، أي يعمل في نطاق واجبات الدول الأطراف فيه، وينطبق على المسئولين في تلك الدول، ومن ثم فلا أثر لنص المادة \" \" ٢٧ من النظام الأساسي على حصانة الرئيس البشير المقررة بالدستور السوداني .ويؤكد ذلك أن بعض الدول التي وافقت على الاتفاقية أبدت مجالسها الدستورية أو التشريعية تحفظات على هذا النص، مقررة أن القبول به يستلزم تعديلا لدستورها أو قوانينها المقررة لحصانة رئيس الدولة أو الوزراء
أو أعضاء البرلمان .وقع ذلك في فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج \" الرأي الدستوري الفرنسي صادر من المجلس الدستوري في / ١ / ٢٢ ١٩٩٩، والرأي الدستوري البلجيكي صادر من مجلس الدولة في / ٤ / ٢١ ١٩٩٩، والرأي الدستوري في لوكسمبورج صادر من مجلس الدولة بتاريخ .\" ١٩٩٩ / ٥ / ٤ فلو افترضنا جدلا أن السودان – أو غيره من الدول العربية – انضم إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن ذلك سيقتضي تعديلات دستورية ضرورية قبل أن يصبح النظام نافذا في حق تلك الدول حيث إن جميع الدول العربية تقرر حصانات لفئات مختلفة من ذوي النفوذ والسلطان فيها لا يمكن الإبقاء عليها مع الانضمام إلى النظام الأساسي للمحكمة .
سابقة خطيرة
\"5\" إن التقرير الذي قدمه المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لو حظي بقبول هذه الدائرة وصدر أمر قضائي بالقبض على الرئيس البشير فسيكون سابقة خطيرة قد يصل مداها – ذات يوم – إلى الرئيس جورج بوش نفسه بسبب المجازر التي ترتكبها قواته في العراق وأفغانستان والصومال، وبسبب الدعم غير المحدود المقدم من إدارته لإسرائيل، لتستطيع تنفيذ مجازرها اليومية في فلسطين ولبنان وغيرهما .
وقد يصل مداها إلى مئات المسئولين الصهاينة الذين تثبت وثائق وأدلة لا يرقى إليها أي شك ارتكابهم مئات الجرائم ضد الإنسانية من دير ياسين إلى بحر البقر إلى صابرا وشاتيلا إلى قانا إلى الخليل وجنين وغزة وعشرات الأماكن الأخرى .