البوح

نرمين عباس تكتب.. الوحده بين الزحام

نرمين عباس

لا أحد يعلن عن نفسه، الجميع يختبئ خلف جرح ما، هزيمه ما، وربما طعنه ادمت القلب، نبدو في ظاهرنا متماسكين ولكن الروح مثقله بالآلام، بعض الجروح تجعلنا نقف عاجزين عن التعبير، ليس بوسعنا المضي ولا العوده

ما فعلته بالأمس لم يمكنني فعله منذ سنوات، بكيت كما لم أبكي من قبل، كانت دموعي محمله بالحنين والذكريات، لم أبكي منذ وقت طويل جداً، ربما شعرت ذات يوم أنني فقدت القدره علي البكاء، ولكني هزمت، فسقطت دفعه واحده، تنهدت كمهزوم هزمته الحياه..

الكلمات التي ترسخ نفسها في الذاكره لا تنتهي أبداً، ربما أن واجهت الأمس مره أخرى فسأكون أكثر صلابه، لكن من يعيد الأمس؟ شعرت حينها أنني هشه، لكني الأن بكل ما أوتيت من أنكسار مازلت صامده..

كنت أتجول اليوم في أحد شوارع الأسكندريه، تلك المدينه التي أصبحت أشبهها، هي مثلي تحتضن جروح الجميع ولا يداوى جروحها أحد، كنت أتجوّل بين الأشخاص، أرى شجار بين سائق الملاكي الذي أصابه الضجر من سائق التاكسي، فأنتبه للدموع المخبأه في عين الفتاه التي تمر بجوارى غير مكترثه بشيء

أتساءل ربما هي ايضا مرت عليها ليله طويلة باردة بالأمس، فأدعو سراً أن تنتهي مراره الفقدان من الدنيا، تتصاعد اصوات الشجار من خلفي، أشعر وكأن سائق التاكسي يتحدث بغصة في القلب جعلت صوته يخرج من بين أحباله الصوتية متألما، ربما تشاجر مع زوجته في الصباح بحثاً عن مصاريف اطفاله.. يمر بجوارى طفل ممسكاً بيد والده وكأنه يملك طمأنينه الدنيا، فأعود بالذاكره لأبى وأبتسم، كانت ملامحه البريئه بدايه صباحاتي، فأدعو الله أن يظل هذا الطفل ممسكاً بيد والده للأبد..

يتدخل بعض الماره لأنهاء ذلك الشجار، وتبدأ الاصوات تنخفض شيئا فشيئا، وبصوت أقل حده يتصافحا السائقين معتذر كل منهما للاخر، أتساءل لماذا أذن صعبه الحياه إلي هذا الحد؟ ربما بضع كلمات بسيطه كانت لتجنبنا الكثير من الخسائر

أكمل طريقي متجاهله كل الأسئله التي تدور في رأسي، أمر بجوار مقهي صغير يأتي صوت أم كلثوم متسللاً لقلبي وهي تردد، “لا نوم ولا دمع فى عينيا .. ما خلاش الفراق فيا نسيت النوم واحلامه .. نسيت لياليه و ايامه وبين الليل و آلامه .. و بين الخوف و اوهامه بخاف عليك .. و بخاف تنساني”

تعيد أم كلثوم لقلبي كل الذكريات التي أحاول جاهده تجنبها، أتساءل لماذا لا أراك الأن، لماذا لم تجمعنا طرقات مدينتي الدافئه، ربما نتصالح ونتشاجر، نضحك ونبكي، ربما ينظر كل منا للآخر لنبتسم غير مكترثين لكل الدنيا، فيعود لنا الحنين، من يعيد لي صوتك؟..

فيعود صوت أم كلثوم وهي تردد بكل دفء “لا طول بعدك يغيرني ولا الايام بتبعدني بعيد عنك” لأعرف حينها انك بدايه طريقي ونهايته.. فأنظر للسماء وأرسل لك معها الكثير من رسائل الحنين، التي أعلم أنها ستأتيني بالرد يوما ما..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *