ملامح صبح

مساعد الرشيدي..حكاية من خيال!

رؤية – ناصر العمري


يرحل من قاسمونا طفولتنا وفورة شبابنا تباعا فيعتمرنا الحزن ويسكننا الألم ونلوذ بحرف آبق في رثاء أبكم.لأن الموت يضعنا أمام اختبار جديد لمدى قدرتنا على ابتلاعِ المَرارات ويجعلنا نعيش قفزة مفاجئة في سيرِ خطِ الألمِ البيانيّ الذي يلهو بنا؟..في هذه الحياة أشخاصٌ خارجَ مفهوم التفسير لم نلتقيهم مطلقا لكننا نشعر برابط عميق يجمعنا حتى أننا نتخيلهم أصدقاء لنا مع أن لقاءنا بهم كان في ثنايا حرف أو في لحن أغنية أو دهشة شعر ماكر ثم لا يخطرُ ببالنا أنهم قد يموتون،لأنهم رسلٌ للحياة،تناقل المدى نبأ رحيل الشاعر العذب(مساعد الرشيدي) والذي لا أشك مطلقا انه كان رسولا للحياة والشعر أجهل تماما الطريقة التي ينعي بها العالم رسلَ الحياة؟؟..وكيف يجب أن يُرثى شاعرٌ قال: قلت أبحيا والليالي تموت ببردها و: مابه حياة من غير موت,هنا يصبح وداع مثل مساعد مربك حتى للنجم الذي سيحتار لمن سيغني بعد رحيل السامر؟؟..وللشعر الذي سيفقد القصيدة التي من عروق البرق ترضع !يقينا هو قصة مختلفة سكننا منذ المختلف وفواصل واليقظة والجنادرية يرافقنا حين يلفنا الهم فنتوسل: يقولون لاضاقت عليك الوسيعة غن, ونتشبث بحكمة :(وكٌل أمرك للكريم ،، ويسمح أمـرك) حين كل نائبة. مساعد حكاية من خيال تحول رفيقا دائما لنا:في كل لحظة ارتباك مثالية على غرار:لاذبحني ظماك ولا رويتك ,نتذكر مساعد والقفزات الهائلة في الشعر والشعور ومدى التأثير والدهشة التي حقن بها الوجدان الجمعي جعلت منه مدرسة شعرية مستقلة ونحن نردد بيته الأشهر:” فيه انتهى «الشعر» لا والله بدا منه»”وفي كل مرة تطأ فيها قدماي أبها يرافقني مساعد الرشيدي ألمح غيمها فتأتي جملته الأجمل( بنت عم السحاب) وتهطل علي (مراهيش نوك) فتتغذى الصورة بجمالية المحكي وتستمد المفردة مزيدا من العذوبة مستنجدة بدهشة المشهد وهناك تتعاظم أمانيك بأن تكون شاعرا يخاطب أبها :(عاشقك جاء يقود الشمس وتقوده) يتجه معك نحو السودة لاشيء على لسانك سوى تساؤلاته:
“تذكرين الغلا والصيف يالسودة ؟؟ ..
ولمة البرق والخلان والراعد؟؟..”
هطول مساعد وانهمار شعره تجده في كل حكاية بالقرب منك رغم انه الأبعد يستنطقك عنوة: ” أدور انا وانت مثل السبت والجمعة ياقربنا والصحيح انا بعيديني! ” .جيلي محظوظ لأنه عاش في زمن مساعد ليتعلم منه العذوبة والرقة ومناجاة من حولنا حتى الطير(حزين من الظما ولا حزين من الشتا ياطير؟!) والعشق بجرأة ودون تردد:
ماقلت لك عمر سيف العشق مايقتلك/
ماتشوفني حي قدامك وانا اموت فيك؟؟..
ومن مساعد تعلم جيلي كيف يكونوا أكثر لطفا مع حبيباتهم.تعلقنا بمساعد بسبب هذا النفاذ لتفاصيلنا والولوج إلى اعماقنا وهو مايجعلنا نلوك:
(انا ماني بخير وجيت يمي وانت منت بخير/‏
وانا يا طير فيّ من الهجاد اللي مكفيني).
لكن مساعد عصي على النهاية والرحيل لأنه يتكرر في كل شتاء قادم حاملا معه شيئا من عذوبة روحه وفي كل لسان ملذوذ شيء منه ولن تعدم ان تجد في طبقات صوت فيروز- التي تمنى أن تغني له -شيئا من تجليات ودهشة وعذوبة مساعد الرشيدي قولا واحدا يظل رحيله وجعا غائرا وغصة طويلة في حلق الشعر ودمعة عالقة في محاجرنا تأبى السقوط لأن مساعد حكاية شاعر وقصة شعر ترك في كل همسة ذكرى وفي كل قصة حكمة، كما ترك ضحكة في البال لا تمحوها السنون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *