معظم كبار الكتُّاب في الشرق والغرب بدأوا او واصلوا الكتابة في المطبوعات الدورية الصحفية قبل او بعد الانصراف لتأليف الكتب. هذه الظاهرة مازالت سائدة وشائعة حتى هذه الايام، واغلبية الكتُّاب المعروفين المعاصرين نجد اسماءهم في الصحف اليومية والمجلات بشتى أنواعها، متخصصة او غير متخصصة..! وللظاهرة اسباب عديدة ومتباينة قد يكون من بينها العائد المالي السريع والمجزي \"أحياناً\" خلافاً لعائدات الكتب القليلة والشحيحة، وقد يلجأ الكاتب الى الصحف والمجلات ليكون دائماً في اذهان الناس وذاكرتهم او التماساً لشهرة من خلال رأي او فكرة لا يتسنى له طرحها في كتاب باهظ التكاليف قليل التوزيع. لا يفترض في الصحفي العادي كاتب التحقيق او المقال ان يكون ذا باع طويل في معرفة تأليف الكتب والدراسات التخصصية او الاطروحات الجامعية، يكفيه الوضوح والبساطة ومعرفة اسرار اللغة ومقومات الكاتب تتلخص كـ (الدأب والصبر والجلد).. بالإضافة لامتلاك ناصية قدر معقول من ثقافة عامة. والصحافة علم ولو لم تكن كذلك لما درستها الجامعات والكليات والمعاهد في مختلف دول العالم بأسره.
إذ من المؤكد انه لا يحسن العمل فيها الا من أعطاه الله تعالى ذائقة فنية تمكنه من توظيفها واستثمارها في تقديم مطبوعة مخدومة مهنيّاً بما يرضي القارئ ويستجيب لتطلعاته وبدون تحصين الصحفي لنفسه بالحد الادنى من العلوم والمعارف ضمن الحرص على ان يأخذ من كل فن بطرف، فعليه ان يبحث عن عمل يناسب قدراته في غير بلاطها والذين احبوا الصحافة حب العاشقين لها ضمن اطارها الصحيح وحدودها المطلوبة وهؤلاء كثيرون في بلادنا الذين ترجموا هذه الهواية الى انجازات جعلت منهم ومن اسمائهم ذات قيمة في ذاكرة القراء لم ولن تنسى ولكنها قد تحرق من يختار هذا الباب للدخول الى عالمها متناسياً ان الشهرة والنجومية يمكن ان تطارده وتسلط الاضواء عليه بالممارسة الصحيحة لهذا العمل وليس العكس. اما من ناحية ان الصحافة خير وشر، فهذا يتوقف على نوايا وتوجهات واهداف من اختارها دون غيرها للعمل فيها، فقد يُدمر وقد يبني عن علم او عن جهل، عن حسن تقدير او سوء فهم، انها من يطبق عليها القول \"سلاح ذو حدين\" والمطلوب تبييض ورقها الابيض الناصع بالافكار ذات البياض الأنصع، حتى وان استخدمت كل الألوان حبراً وورقاً في اصدار المطبوعة.
وأخيراً.. فان الصحافة، هي الصحافة ببريقها وأضوائها وارتباط الناس بها حتى مع تقدم التقنية في وسائل الاعلام الاخرى، وعلى المنتسبين لها ان يقدموا لقرائهم العمل الأمثل والأفضل والأبقى في ذاكرة القراء.