د. أميرة كشغري ..
في حضرة مؤسسة ثقافية كبرى بحجم نادي جدة الأدبي الثقافي، وبتاريخه العريق، ومسيرته الممتدة، وإنجازاته المتعددة، بل وحتى بعثراته، يتوارى زخرف القول أمام وهج المشاعر، وتتراجع الصورة أمام الفكرة. إنه مشهد أشبه ما يكون بعاشق في حضرة معشوقته، لا يأبه كثيراً لما يتناثر من قول أو همس.
إنها مسيرة 40 عاماً منذ أن تأسس هذا النادي عام 1395ه –1975م .. واحتفل بأول انتخابات لمجلس إدارته في حدائق كيلو10، المرتبطة ارتباطاً نوستالجياً بتاريخ جدة الحديث. فتصدرت الموقف أسماء الرواد المؤسسين: محمد حسن عواد، وعزيز ضياء، وحسن عبد الله القرشي وعبد الله عبد الجبار رحمهم الله، ثم لتتبعهم قامات لا تقل عطاء مثل عبد الفتاح أبو مدين ود. عبد الله الغذامي ود. عبد المحسن القحطاني ود. سعيد السريحي والكثيرون ممن أثروا النادي وأثّروا في مسيرته.
إن زخم المسيرة قد لا تعبر عنه الصورة النمطية، كما لا يتبدد في دائرة الجدل – إيجاباً أو سلباً – حول عطاءات النادي عبر تاريخه الطويل. وفي النهاية يبقى عطاء النادي انعكاساً حقيقياً للمشهد الثقافي في مدينة جدة ومرتبطاً بها ارتباطاً عضوياً، يخبوان معاً ويتألقان معاً.
إن المخزون الثقافي للمجتمعات لا يمكن اختزاله في اسم شخص أو أشخاص، ولا في مرحلة واحدة مهما كان لتلك الأسماء من إسهامات، ومهما كان لتلك المرحلة من أثر. لذا فإن ما نعول عليه في هذا النادي العريق هو استمرارية الكيان واستمرارية العطاء، والتفاعل النابض مع المحيط لكي يستمر رافداً من روافد الثقافة والحضارة وفق متطلبات العصر.
كما أن المخزون الأدبي والتراثي الذي يمتلكه النادي يشكّل ثروة للباحثين وللشباب المبدع. ولعل المشروع الطموح الذي بدأه النادي في أرشفة هذا التراث ووضعه في صيغة رقمية متاحة للعموم عبر الإنترنت، سيكون نقلة حضارية وفكرية سوف يخرج تلك الثروة من سباتها، وينفض عنها غبار الزمن لكي تصدح من جديد.
كم تأثرت، وأنا القادمة إلى نادي جدة حديثاً، حين مررت عبر دروب هذا النادي في لحظة اشتعال وتألق تكللها جهود المثقفين المناضلين في معترك الكلمة والفكر. كم هي أسماء حية في ذاكرة الزمان نستعيدها اليوم بزهو وإكبار ونحن نرى مقتنيات النادي العريقة وأرشيفه الثقافي عبر 40 عاماً من العطاء بدأت بحلم المؤسسين لهذا الصرح عام 1975 وتراقصت عطاءاتها بين مد وجزر لكنها لم تعرف اليأس ولا الاحباط يوماً. من حق النادي علينا ومن حق الأجيال القادمة أن نواصل المسيرة بزخم جديد وإيقاع متجدد يتناسب مع تحديات العصر ويكون شاهداً على مرحلة متميزة في عمر النادي.