أعتقد أن تجربة علي السبعان ترتكز على هذا الحوار الداخلي ، فالقصيدة ما هي الا حالة نفسية وحينما تأتي يكون الاخرين سببها،ولكنها عند شاعرنا مختلفة دائما،فهي تتوجه من الشاعر إلى الشاعر نفسه ، إنها حالة بحث دائمة عن الذات ، محاولة تعريف هذه الرحلة السرمدية ، وأحيانا تكون محاولة إقناع الأنا(الإنسان) أو تعزية للذات (الشاعر الانسان) ، حينما نعلم بإن الذات أشمل وأعم من الأنا بل إنها تشتمل للأنا في تعريفها ومفهومها الفلسفي ..ما بين الأنا والذات كتب السبعان أجمل قصائده ، وهذا الازدواج لم يأتي من فراغ بل هو وليد غربة وتنقل وسفر وغياب تحددت هويته ولم تتحدد نهايته بعد ..وحتى نفسِّر للبعض ماذا نعني بالأنا والذات ، ولكي لا تصبح قراءتي هذه محاضره “فرويديه” -ممله-في التحليل النفسي ، فلناخذ هذا البيت كمثال تطبيقي وهو من قصيدة مهداه إلى “علي السبعان” نفسه بعنوان”قصيدة لم تكتب بعد”:
يا (علي) كانها ما جت على ما تريد
خلّها تروح واللي لافيه لافيه
ما يشدّنا بداية أن الشاعر(علي السبعان )يقوم بإهداء الإنسان (على السبعان) إحدى قصائده والتي منها البيت السابق ، هذا يعني وجود شخصين ، مختلفين . شخص بيده الفعل وهو فعل الكتابة وشخص آخر لا يمتلك سوى الإنصات ولكنه يمتلك القوة فهو من تسبب بالفعل ، فجاءت القصيدة كردة فعل ، تحاول الشرح والتفسير والتبرير، وتوضّح للطرف الآخر الأسباب التي دفعت الطرف الأول لأخذ هذا الموقف من الحياة.إننا نقترب من شاعر فيلسوف ، فالافكار الفلسفية تتوزع ما بين أبيات قصائده ، وهذا محور آخر كما أسلفنا الحديث عنه ، وهو محور يحتاج إلى قراءة موازية تحاول كشف البعد الفلسفي في تجربة شاعرنا .وإذا عدنا إلى المحور الأساسي في القراءة الشعرية هذه وركزنا على الامثلة التي تؤكد واقعية الفكرة التي توضّح هوّس الشاعر بمخاطبة نفسه ، فسنجد الكثير من الأمثلة المطلوبة ومنها:
ما وحشتك يا وطن؟ قلْ لي وحشتك
قل (علي السبعان) هالجافي وحشني
وهذا البيت هو من ضمن القصيدة التي لاقت شهرة كبيرة وانتشارا واسعا ، وهي من القصائد التي يطلبها الجمهور دائما في أمسيات الشاعر وهذا هو البيت الأول من القصيدة ، فالشاعر رغم أنه يحاور الوطن بأسلوب فيه الكثير من الحنين والشوق واللهفة ، إلا أنه بخضوع يتمنى من الوطن أن يذكر اسمه كاملا ويترجى من الوطن أن يلهج بلفظة “:وحشتك ” في الصدر “ووحشني ” في العجز ، ويطلب الشاعر من الوطن أن يقول ذلك ولو حتى من باب المجاملة.ومن قصائده الجميلة وهي كثيرة ، قصيدة بعنوان (لساني حصاني) وموضوعها يدور حول توقف الشاعر عن الكتابة لفترة حددها بثمانية شهور، ويبدأ الشاعر أولا بالتساؤل عن سبب هذا التوقف وفي الابيات الاخيرة يوضح بنفسه أسباب هذا الانقطاع والدوافع التي تستفز الشاعر للكتابه ويذكر مبادئه وأخلاقه التي لا مجال للتهاون فيها من أجل الكتابة ، وفي البيت الثالث يوجّه الشاعر خطابه بوضوح إلى نفسه:
كبرت او هو(علي السبعان) ما عاده (علي السبعان)
تغيّر وانقتل في داخله حلم ونسى الجاني
أن شاعرنا يعيش في ازمة داخلية ، وهي ازمة جميله لأنها تولِّد مثل هذه النصوص الرائعة ، والأزمة تتجسد في الصراع الطاحن الذي يعيشه شاعرنا في حالة الصمت والوحدة وفي حالة إنعزاله عن المجتمع ، ويحاول أن يحل هذا الصراع أو أن يقلل من حدته بواسطة الكتابة ، وكان يجد المساحة الكافية في زاويته الشهيرة (سبعانيات) ،والتي حسب معرفتي لا يكتبها إلا في حالة مزاج راقيه ،،والمزاجية هي الطاقة التي تحرك معظم المبدعين ولا أشك في أن شاعرنا هو أحدهم ، فبعض الشعراء يكتبون في حالة مزاج راقية أو رايقة وبعضهم يكتبون في أسوا حالتهم ربما لنفث الضيق والحزن من صدورهم إلى صدر السماء الواسعة .وفي قصيدته الشهيره (موس يأسه ) والتي فيها يرد على اصحاب القلوب المريضه والعقول السطحية ، حيث يتحدث عن فلسفته الخاصه في حب الوطن وعن قصائده التي يأولها البعض حسب مزاجهم وأغراضهم الخاصة ، يرد الشاعر عليهم بوضوح الفكرة وبغموض الطرح وصعوبته ، حيث لا يجيد مثل هذه الكتابة إلا القلة . في البيت الأخير من نفس القصيدة يوجّه الشاعر خطابه إليه في سيناريو مشابه والحوار لا يخلو من صوت الحكمة:
قلت مرّه يا (علي) من شَلّ راسه طاح راسه
رد صوتٍ داخلي والله يطيح اذا حنيته
إننا أمام أثنين، إنسان يبحث عن الراحة والرفاهية ولديه أحلام وآمال كبيرة ، وشاعر يمتنع من الانجرار خلف رغبات النفس وصراعات الحياة ، ولعل القصيدة التي أهداها شاعرنا الى والده خير نموذج على حقيقة الصراع الذي يعيشه على السبعان وعلى الثوابت التي ما زال متمسكا بها رغم رياح الشهرة العاتية، ومن القصيدة نختار بعض الابيات :
تعاتبني على ايش بتعاتبني على الترحال
…..أنا أصلا ما خلقت إلا أحط الرجل وأنقلها
تعاتبني على وش هو على أني ما جمعت المال
…..أنا أكتب على الأوراق لكن ما أعرف اكلها
رغم أن القصيدة موجهه إلى والد الشاعر إلا أن الحوار لا يختلف كثيرا عن حواره مع ذاته ، فلا زال الشاعر يرد على الإنسان العاتب بثبات وحماس وقناعة كبيرة ..أعتقد بإن الشاعر ما زال موجها حديثه إلى داخله ، ولم يخرج الحوار من حدود علي السبعان حتى ألآن ..ولو عدنا إلى الأمثلة الواضحة لتضمين الاسم في القصيدة ، سنجد قصيدة بعنوان “علي “، فبعد أن كان الشاعر يكتفي بطرح أسمه في اسفل جسد القصيدة ، أصبح الاسم هو رأس هذه القصيدة ، وهي من القصائد الأخيرة والتي وجدت تفاعلا كبيرا من الجمهور ومن ضمنها البيت المشهور:
عادي إماراتي سعودي أو بدون
أهم شي تعرف وش انته بدونها
اما البيت الذي ورد فيه أسم الشاعر فهو البيت الاول من القصيدة:
تكتب يقينك شعر يقرونه ضنون
بدري عليهم يا (علي) يفهمونه
فهو كما نلاحظ يخاطب نفسه ، وكأنه يكمل مع نفسه موضوعا سابقا حول جدلية قصائده وتفاعل الناس معها ، حيث يؤكد( علي السبعان لعلي السبعان) أن الوقت لا زال مبكرا للوصول إلى فهم أفكاره ، أنه يحمّس نفسه لمواصلة المشوار المتعب الطويل .ومن القصائد التي كان فيها علي السبعان في قمة عليائه وسبعانيته قصيده بعنوان:سبعه على سبعه ، حيث وردت لفظة( السبعان) في القصيدة أربع مرات ، كما وردت في أشكال أخرى مثل (مسبعني) و(سبعانها) وكما هو العنوان فإن الرقم سبعه فرض نفسه في القصيدة بقوة – وحتى إيميل الشاعر به الرقم سبعه ولكنه باللغة الانكليزية7- :
لا تقول (سبعان) أصلا وش مسبّعني
الا انها تحبني سبعه على سبعه
أو اسبوع توله علي واسبوع تقطعني
تزعلني السبت وتصالحني الجمعه
والأسبوع ما هو إلا سبعة أيام من السبت إلى الجمعة كما نعلم ، جاءت القصيدة بأسلوب ساخر وممتع وموضوعها رغم تكراره في قصائد أغلب الشعراء إلا أن علي السبعان يرويه لنا بصورة مختلفة ، تشدنا وتمتعنا ، وترسم على وجوهنا الابتسامة التي يلفها الإعجاب بأسلوب الشاعر الجميل ..هذه هي لمحة من تجربة شاعر مبدع كانت تحتشد القلوب في صفحته (سبعانيات) وحلقت أرواح المعجبين في سماء قصائده ، ولا زال متألقا يثير فضول الكثيرين للتعرف على شخصيته الشعرية ، هي محاولة للاقتراب من روح الشاعر عبر قصائده وكتاباته بالتركيز على نقاط معينة نتوقعها مهمة لكشف شيئا من الحقيقة ، متمنيا أن تكون هذه القراءة قد اقتربت من أبعد عمق لتجربة علي السبعان المتميزة.