الأولى

عجز غوتيريس المهني يعصف بالأمم المتحدة

جدة ــ البلاد

ربما لم يكن “كي مون” بالفعالية المطلوبة، لكنه لم يستهدف تلوين التقارير لممارسة الضغط على مختلف أطراف النزاع في اليمن دون النظر إلى شرعية أي من الطرفين، غير ان خلفه البرتقالي أنطونيو غوتيريس نحا بالمنظومة الأممية منحى اخر، مما يجعل الرجل اقرب في التوصيف بحسب المثل العربي بالنائحة المستأجرة أي تلك التي امتهنت النياحة للتكسب.

وما من دليل امضي على ذلك من الازمات التى واجهت العالم  جراء الصراعات السياسية وغيرها من ظروف صعبة، إلا أن أغلب الأمناء العامين للأمم المتحدة تمكنوا من إدارة الملفات الأكثر حساسية، عبر الاتكاء على سياسة الحياد من جهة، ونبذ أي أجندات تسعى عواصم كثيرة لفرضها على الأمم المتحدة من جهة أخرى.

خضوع :

ولكن الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريس وفقا لتقييمات وفود أوروبية وعربية يدير الأمم المتحدة بشكل مضطرب، ويصف هؤلاء إدارته بكونها تتحاشى أمرين، أولهما الموروث التاريخي للأمم المتحدة من حيث الحياد إزاء الملفات المطروحة، وثانيهما عدم خضوعه للمعايير السياسية والمهنية التي يفرضها موقع كهذا على من يتولاه.

وتستدل المصادر الدبلوماسية الأوروبية والعربية بتبني الأمين العام للتقرير ضد دول التحالف العربي التي تقاتل الإرهاب في اليمن، وبدلا من أن يرحب بإعادة الشرعية والمساعي ضد الإرهاب التي تقدم فيها المملكة العربية السعودية الشهداء من أجل القضاء على الإرهاب الحوثي وتحرير اليمن من سيطرة الجماعات الإرهابية، بما يعنيه ذلك من حماية أمن المنطقة والعالم، وتخليص اليمن من الارتهان لهذه العصابات،  يحاول الأمين العام قلب البوصلة، وتوجيه الاتهامات إلى دول التحالف بكونها تتسبب بمقتل الأطفال.

انتقادات :

يواجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، انتقادات واسعة لإدارته لقضايا إنسانية وسياسية مختلفة خاصة في المنطقة العربية. وتراجعت القضية الفلسطينية إلى درجة متدنية من سلم الاهتمام الدولي فيما أزمات أخرى مثل  سوريا وليبيا تواصلت من دون أن تنجح المنظمة الدولية في احتوائها أو حتى مساعدة المتضررين منها بشكل فعال.

كما تعاني منظمات الأمم المتحدة الإغاثية التي تعمل على مساعدة المتضررين من هذه الأزمات بشكل عام من نقص حاد في التمويل، ما أثر على فاعليتها وسط عجز للأمين العام عن حشد الدعم المالي لهذه المنظمات.

غياب الموقف الحازم للأمين العام لم يقتصر على ملفات المنطقة، فأزمة أقلية الروهينغا في ميانمار شغلت العالم بسبب ما تعرضت له هذه الأقلية المسلمة من انتهاكات وصلت لدرجة التطهير العرقي.

واكتفى الأمين العام أمام هذه الأزمة بالتصريحات فيما تحملت بنغلاديش المجاورة العبء الأكبر من التداعيات الإنسانية وكانت المملكة الأولى في تقديم الدعم. آخر الانتقادات الموجهة لغوتيريس جاءت من اليمن، حيث يلام غوتيريس على صمته أمام الاختراقات التي يقوم بها الحوثيون وحلفاؤهم، بل مؤخرا تبنت المنظمة الدولية تقارير مغلوطة وإحصائيات مزورة.

ويقول المنتقدون لغوتيريس إن معظم التقارير والإحصائيات المتبناة أمميا عن اليمن تعتمد على بيانات من مناطق يسيطر عليها الانقلابيون، وهي تفتقد الدقة أو حتى الصحة في أحيان كثيرة.

تقرير متحيز

ويتساءل مراقبون عن أي أطفال يتحدث الأمين العام، وهو يقدم هذا التقرير المنقوص الذي يتعامى عما تسببت به جماعة الحوثي الإرهابية، والقاعدة، ومقاتلو الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، من هدر لحياة ملايين اليمنيين، بمن فيهم الأطفال، وحرمانهم من التعليم والعلاج وقتلهم بشكل صارخ، إضافة إلى الجرائم العسكرية اليومية التي تقصف فيها هذه الجماعات أحياء المدنيين، فتقتل الأبرياء من الأطفال والنساء وغيرهم.

ورغم تدفق تقارير القصف العشوائي يوميا، عبر الإعلام، إلا أن الأمين العام يتعامى عنها، باعتبار أن القصف العشوائي ليس مهما، وفقا لرأيه

ومن ناحية مهنية مجردة، يعتري التقرير المنقوص وغير العادل، مكامن خلل كثيرة، إذ استند في معلومات على مكتب الأمم المتحدة في صنعاء، الذي يتلقى معلوماته في الأساس من المستشفيات اليمنية في هذه المنطقة، وهي تحت سيطرة الحوثيين، حيث يتم تزييف كل البيانات خدمة لمعركة تشويه سمعة التحالف التي يقودها الإرهابيون والانقلابيون.

وفق هذه الأباطيل  تحول الجاني إلى ضحية، ونصير المظلوم إلى قاتل، حتى بات “دعم الشرعية” ضمن قائمته  المبتذلة، وتتناقض مع اعتراف التقرير ذاته بتحسن كبير في إجراءات التحالف لحماية الأطفال اليمنيين .كيف اجتمع النقيضان في محتوى واحد؟ تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بشأن “هدف إصدار التقرير” تقدم مقاربة الإجابة على هذا السؤال.

قال أمين الأمم المتحدة إن الهدف من هذا التقرير السنوي هو “حض الأطراف المتحاربين على اتخاذ إجراءات للحد من عواقب النزاعات على الأطفال”، بما يعني توجيه المحتوى من سياقه الحقوقي الطبيعي إلى آخر سياسي بهدف “الضغط” على مختلف أطراف الأزمة اليمنية، ووضعها جميعاً على قدم المساواة، وفي صورة المنتهك المجرم، أمام المجتمع الدولي.

وإزاء هذا التسييس المتعمد للتقرير، يفترض أنه حقوقي بامتياز، اختفى تماماً مفهوم “الشرعية” التي طالما مثلتها مواثيق الأمم المتحدة، فصار من يقاتل لفرض سلطة انقلابية بقوة السلاح، ومن يقاتل، في المقابل، للدفاع عن الشرعية سواءً بسواء في ميزان غوتيريس الأعوج.

كثيرون من دبلوماسيي العالم عبروا عن تفاؤلهم بتسمية غوتيريس في بداية عهده، خاصة بعد إظهاره تقارباً مع ثقافة وقضايا شعوب المنطقة العربية والإسلامية، لكن يبدو أن ذلك لم يكن سوى “صنعة الساسة” التي لم يكن يجيدها سلفه، بان كي مون، ولذا قرر رفض إدراج مماثل لقائمة تم إرفاقه بالتقرير السنوي عن الأطفال والنزاعات لعام 2015.

وإزاء ذلك، كان متوقعاً تبني كثير من المنظمات الدولية، التابعة للأمم المتحدة، لتقارير عبر مصادر معلومات غير موثوقة وغير مستقلة، بما يخدم مصالح الحوثيين في المحصلة، وهو ما يعبر عن نهج سابق للمبعوث الأممي الأول في اليمن، جمال بنعمر، التي وصفها مراقبون بـ “المسيرة السوداء”.

مصادر تمويل :

كما أن الأمم المتحدة لم تكلف نفسها لافتتاح مكتب في أي موقع خارج صنعاء، من أجل استكمال المعلومات، وفضلت أن تبقى في مناطق الإرهابيين التي ترسم صورتها أيضا منظمات المجتمع المدني الممولة سرا من صالح، ويستعملها من أجل مس سمعة التحالف العربي.

ويبدو أن الإدارة المضطربة، ليست غريبة على شخص من طراز الأمين العام الحالي، ويمكن للباحث أن يكتشف ذلك ببساطة لو عاد إلى سيرته الذاتية في البرتغال، إذ إن تقييمات شعبه له تتسم بالسوء، وهو الذي تولى رئاسة الحكومة، ثم استقال هرباً من مواجهة الإقرار بفشل برنامجه السياسي والاقتصادي، بما أثار موجة سخط كبيرة في البرتغال، واعتبرت إدارته ضعيفة ومضطربة، وغير قادرة على إدارة فريق حكومي.

عنصرية غوتيريس :

كما لاحقت الرجل انتقادات بالعنصرية حين كان رئيسا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، إذ رافق عمله تمييز عنصري مفضوح.

ومن خلال سيرة الأمين العام، يتضح الخلل المهني والسياسي، الذي قاده إلى قبول تقرير «متحيز ومسيس» يتعامى عن الحقائق على الأرض.

ويضاف إخفاق الأمين العام تجنيب المنظمة الدولية من مأزق التسيس والانحياز، في قبوله للتقرير المضلل إلى سلسلة إخفاقات للسياسي البرتغالي في كل المناصب التي شغلها، كما أن عدم عدم قدرته على المواجهة وخضوعه للضغوط وتحيزاته المسبقة والتردد والفوضى، وعدم إدراكه للكيفية التي تدار بها السياسة شكلت العنوان الرئيسي له.

ولا يمكن للبرتغاليين أن ينسوا كيف تصرف عندما كان رئيساً للحكومة بغموض وعنجهية وتردد وإرباك، في علاقاته مع رؤساء البرتغال، ومع طاقمه الوزاري الذي واجه مشاكل كبيرة معه.

مؤشرات التلاعب:

كما أن العالم يتذكر استقالة الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا إسكوا الوزيرة الأردنية المعروفة ريما خلف، وهي الاستقالة التي هزت المؤسسة الدولية، وما رافقها من رسالة علنية موجهة إلى الأمم المتحدة، تتهمه فيها بالانحياز ضد العرب والفلسطينيين، ومنعه لإصدار تقارير تنتصر لمظلومية الفلسطينيين.

 وهذه الاستقالة بحد ذاتها، تعطي مؤشرا على أن الأمين العام، يتلاعب بأجندة الأمم المتحدة المنطقية والعاقلة.

وبالعودة إلى نص رسالتها الشهيرة، وتحليل النصوص الواضحة، تتضح جلياً حالة «التيه» التي تعيشها المنظمة مع غوتيريس ووقوفه إلى جانب الإرهابيين، والى جانب كل من يتسبب بخراب المنطقة، لصالح إذكاء الخلافات والمواجهات، والتحيز بشكل أعمى والوقوف ضد الضحية لصالح الجاني

ولم يأتِ التقرير «المشبوه» بأي أدلة على كونه استمع إلى كل من تضرروا، وذوي الضحايا من الأطفال، بل وتعامى عن ذكر ما يفعله الإرهابيون في اليمن، من تجنيد آلاف الأطفال والزج بهم في هذه الحرب.

شهادات مزيفة:

لقد وفرت دول التحالف الفرصة مرارا للأمم المتحدة، ولكل المنظمات الدولية، أن تتأكد بنفسها، مما يجري على أرض الواقع في اليمن، لكن الأمم المتحدة، ارتاحت فقط إلى تقييمات مكتبها في صنعاء، وإلى الحرب الإعلامية التي يقودها الحوثيون والإرهابيون واعوان  الشر في طهران، وهذا أمر لا يمكن احتماله أبدا، إذ لا يمكن قبول أية شهادات تتدفق بهذه الطريقة، وهي تأتي من مناطق يسيطر عليها الإرهابيون ومن معهم، كونها شهادات مزورة تستهدف التأثير على الرأي العام الأجنبي.

المملكة تنقذ الأطفال

ويؤكد اليمنيون أنه لولا التحالف العربي، والحملات الإنسانية والإغاثية، التي تم إطلاقها، على مستوى العلاج والتعليم والغذاء، لخسروا آلاف الأرواح من أطفال اليمن. وهي حملات لا تأتي لتحسين السمعة، بقدر تعبيرها عن الروح الإنسانية التي لا تتجاوزها دول التحالف في هذه الظروف، وهي روح تتأسس على الجوار والتاريخ والجغرافيا، مثلما أن المملكة العربية السعودية، عبر برامج متخصصة، أنقذت أكثر من ألفي طفل يمني، وحررتهم من أوضاعهم، حين كانوا جنودا يحاربون مع الحوثيين، دون إرادة منهم، وتم تأهيلهم لحياتهم المدنية، بشكل يناسبهم ويتطابق مع طفولتهم.

جرح سمعة الأمم المتحد

تبني الأمين العام للأمم المتحدة لتقرير مشكوك فيه يجرح سمعة الأمم المتحدة، لأسباب مهنية بحتة، فالتقرير من حيث المبدأ، يأتي خدمة لطرف واحد محدد في الصراع، وهذا يخالف روح وطبيعة ومعايير عمل الأمم المتحدة، ويقول بشكل واضح إن الأمين العام، يعكس تجاربه السياسية السابقة الفاشلة، على موقع دولي، لا يحتمل الفشل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *