بانوراما

صحراء الحمّاد.. ملتقى الصقور الثمينة في العالم

إعداد – فهد الديدب
تصوير – مرضي المطرفي
تكتظ صحراء “الحمّاد” التي تبعد 100 كيلومتر عن غرب مدينة عرعر في منطقة الحدود الشمالية، بأعداد الصقارين الذين يفدون إليها من داخل المملكة ومن دول الخليج العربية مع مطلع شهر سبتمبر من كل عام المعروف ببداية موسم صيد الصقور، إذ تشتهر بجذبها لأغلى أنواع الصقور في العالم التي تعبرها في هجرتها السنوية في مثل هذا الشهر تقريبًا.
والصقور من الطيور التي حرص العرب في الجزيرة العربية على اقتنائها منذ آلاف السنين، إذ يستخدمونها في ممارسة هواية الصيد التي توارثها الأجيال حتى هذا اليوم، فيخرج الكثير من محبي هذه الهواية في مواسم معينة من كل عام في رحلات جماعية داخل المملكة وخارجها بحثًا عن الصقور النادرة حاملة في تفاصيلها الكثير من المتعة والإثارة.
وفي طبيعة صحراء الحمّاد البكر التي تقع تحديدًا بالقرب من مركز حزم الجلاميد شمال المملكة، تنتشر خيام العديد من الصيادين الذين تواجدوا فيها منذ مطلع شهر سبتمبر الماضي، رغبة في صيد الصقور النادرة التي تعبر هذا المكان في هجرتها السنوية.
وعاش مندوب “واس” أجواء هذه الرحلات حين رافق مجموعة من الصقارين الذين شدّوا رحالهم لصحراء الحماد منذ عدة أيام، لصيد إحدى الصقور المهاجرة التي يعرف منها : الصافي، والأشعل، والفاتح المغاتير، والأبيض، والفارسي، والسنجاري، ويصل سعر الواحد منها إلى 315 ألف ريال .
ففي وسط صحراء الحماد التي تحفها البرودة ليلاً والاعتدال نهارا، حط الصقارون رحالهم، ونصبوا خيامهم، وبحوزتهم أدواتهم التقليدية التي تعينهم على المكوث في البراري أيام عديدة، علاوة على الأدوات الحديثة من أجهزة الاتصالات وتحديد المواقع التي ترشدهم خلال تحركاتهم في بطون الصحراء.
وبينما تتعالى ألسنة نيران حطب السمر أمام خيمة إحدى مجموعات الصقارين، يجتمع كبار السن والشباب حول هذا المكان الذي تفوح منه رائحة السمر، طمعًا في تناول القهوة والشاي وفي تحسّس الدفء، وسط أحاديث شيّقة يستحضر فيها كبار السن ذكريات الماضي عن هواية اقتناء الصقور والصيد بها.
وعلاقة العربي بالصقر علاقة حميمية ، وصفتها قصيدة الصقار الشاعر محمد اللميع الذي رددها في جلسة الصقارين بنبرة حزن على فراق طيره “أرقط” الذي فقده من سنين.. قائلاً : ( يوم الخميس الصبح قبلي جويان .. ضاق الصدر والعين قامت تهلي .. من مات الأرقط صار بالحال نقصان .. وعجزت أنا لا نسى عشيرا مولي) ،وتعد هذه المشاعر إحدى الصور المعبرة عن عشق الصقور عند أبناء الجزيرة العربية.
ويؤكد الصقارون أنهم يسيرون في رحلات القنص في إطار المسموح لهم في مناطق الصيد، حيث يرفضون الصيد الجائر للطيور أو العبث بالكائنات الحية الموجود في المناطق المحمية التي حددتها الهيئة السعودية للحياة الفطرية، وذلك من أجل أن تبقى الحياة البرية في المنطقة منتعشة بوجود الكائنات التي كانت تعيش فيها قبل عدة قرون.
وفي ذلك السياق، قال شيخ الصقارة في منطقة الحدود الشمالية دحام بن رحيل العنزي، إن موسم صيد الطيور المهاجرة يبدأ في الأول من شهر سبتمبر من كل عام، ويستمر حتى دخول مربعانية الشتاء.
وأشار إلى أن الصقارين يأتون إلى “الحمّاد” في مثل هذه الأيام لترقب صقور الحر الذي ينقسم إلى المثلوث والوافي، ويأتي منها القرناس والفرخ، والشيهانة البحرية، وقد صادت إحدى المجموعات ستة صقور في يوم واحد فقط.
وأوضح دحام العنزي، أن صقر “الحر” من أغلى الصقور سعرًا، وذلك لمنظر ريشه ومقاسه الذي يصل إلى 17 إنشًا، مبينا أن الحر يحتاج لتدريب كبير جدًا بعد اصطياده مهما كانت قوة مواصفاته.
وعن طرق صيد الصقور، قال أحد محبي هذه الهواية المهندس طيب حمود، يوجد لذلك طرق عدة، منها التقليدية التي تتم عن طريق وضع الشبكة على ظهر طير الحمام، وتُرمى للصقر في وقت مبكرا جدًا، وهناك طريقة ” شبكة طيور السمان” أو ما يعرف “المريعي ” من خلال وضع الشبكة على ظهره ووضع ثقالات في أقدام طير السمان لضمان عدم قدرة الصقر على التحليق.
وأضاف حمود: يوجد طريقة “المناشبية ” وهي من الحلول الصعبة التي تتطلب خبرة كبيرة في الصيد، وتأتي بعد أن يرفض الصقر الهجوم على طير الحمام، والمريعي، ويقدم خلالها للصقر حمام دون شِباك، وبعد أن يأكلها يتم طرده لمسافات بعيدة حتى يتعب، ويبحث عن ظلال شجرة كبيرة توضع فيها هذه المناشبية.
وبرز من طرق صيد الصقور المهاجرة، طريقة “المخدجة” وهو صيد الطير في دجى الليل، باستخدام حديدة طولها 4 أمتار في مقدمتها دائرة حديدية داخلها شبكة مثل المستخدمة في كرة السلة، ويتم الصيد بتسليط ضوء مركز وقوي ودقيق غير منتشر على عيون الصقر ووضع المخدجة عليه.
كما برز طريقة “النقل” التي تتم باصطياد طير الباشك أو العقاب، ووضع ريشه في قدمه أو قطعة لحمة، مع وضع شبكة في أقدامه وتطيره في أوقات محددة بعد العاشرة صباحا، بأمل أن يهاجم صقر في الأجواء النقل.
ويتداخل شيخ الصقارة في الحديث هنا، بالتأكيد على أن العرف السائد في ممارسة هذه الهواية، ألزم جميع الصقارين بعدم اطلاق النقل إلا في أوقات منظمة تمامًا، وذلك بعد العاشرة صباحا حتى الساعة 3 عصرا، مبينًا أنه من يخالف ذلك يُحرم من طيره.
وبحسب قول الكثير من الصقارين، فإن الصقر حينما يتم اصطياده يتعرض لإغماء بسيط يستغرق عدة دقائق، ويتم افاقته برش قليل من الماء على رأسه.
وللصقور الأغلى سعرًا مواصفات عدة، ذكر الصقارون منها: القدرة على صيد طائر الحبارى، والسرعة، والساق القصيرة والمنقار المتناسق، ولفحة الجناح السريعة، في حين يصل عمر الصقر إلى 20 عامًا، لكنه بعد سنة 12 عامًا يفقد كل مميزاته حيث يضعف بصره، وتقل سرعته، ولا يستطيع تأمين طعامه إلا بمساعدة الصقّار.
وحول طريقة تدريب الصقر بعد اصطياده، قال الصقار فريد ناصر، إنه يجب تدريبه بعد اصطياده بشكل مستمر ليتعود على الصقار، وأن يتم ملازمته لفترة أسبوعين كاملين حتى يعتاد على صقاره، ويستخدم في البداية خيطا لترويضه، وأجهزة تعقب إلكترونية تحدّد مكانه بدقة في حال اختفائه، ويستمر هكذا حتى يعتاد الصقر على الصقار، وتنشأ بينهما بعد ذلك حالة من الانسجام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *