في ودى (بوا ) شمالي منطقة الباحة , مررت ذات يوم قريب بمزرعة نخيل هناك , وتداعت إلى ذاكرتي هذا الأبيات الشعرية من فن (الكسرة ) الينبعاوية الجميلة
شفت النخل لانحنى جذعه
وأضحت قلوبه مهب الريح
مثله فؤادي نشف نبعه
حتى عروقه بُكت وتصيح
وعلى أية حال فإن ما يهمنا هنا أن لدينا أودية كثيرة في طول بلادنا وعرضها , كانت في يوم ما جنانٌ غناء , ثم بدأت مع الأيام عدها التنازلي في ضعف الإنتاج , ومن تلك الأودية وادي ( بوا ) ذلك الوادي الذي كانت تحتشد على جنباته مزارع النخيل والخضروات , أما الآن فلم يعد الحال هو ذاك قبل ثلاثة عقود .
ووادي ( بوا ) ينتظم على طريق الباحة الطائف ، وتحديدا في مدينة الباحة بنحو 90 كم , وقبل أسابيع كنت هناك وفي واحدة مما بقي من مزارع النخيل التي مازالت تصارع من اجل البقاء , فيما هجر أهلها حرفة الزرعة , وتسلم المهمة عمال قادمون من وراء البحار .
قبل شهر من الآن .. رأيت عددا من المزارعين وهم يدفعون بإنتاج نخيلهم – عذوق البلح – لبيعها على قارعة الطريق .. المشهد في حقيقة الأمر كان لافتاً ، وهو ما استوقف عدداً من المسافرين الذين دخلوا في حالة من (المفاصلة) على السعر مع أولئك الباعة، الذين حددوا سعر (العذق) الواحد بـ (25) ريالاً، وهو الأمر الذي اعتبره المسافرون ممن كانوا يريدون الشراء سعراً مرتفعاً .
لكن الجميل في المسألة ان اولئك الباعة كانوا على قدر من المرونة، وقد اكتشفت ذلك بنفسي عندما طلبت من احدهم ان يبيعني جزءاً صغيراً من (العذق) عبارة عن (6) شماريخ بخمسة ريالات فقط، فوافق على الفور، وتم البيع ! .
وخلال عبوري للطريق كنت اشاهد عدة مزارع للنخيل في ذلك الوادي (وادي بوا) وهي تتخذ اماكنها على جنبات الوادي يمينا وشمالاً، وكانت عذوق البلح تتدلى من اعناق النخيل في منظر جميل لا تخطئه العين، وساهم في نجاح زراعة النخيل هناك أن الوادي بالأصل وفير المياه، حيث تغذيه عدة أودية وروافد من جبال قريبة وبعيدة ، ويمكن له ان (يسيل) عدة (سيلات) خلال العام الواحد، ولذلك فهو حافل بالمياه الجوفية وأحياناً السطحية.
وما على المزارع في وادي (بوا) سوى ان يحفر عدة أمتار قليلة حتى يجد الماء الوفير، ومن خلاله يمكن له ان يروي مزرعته الحافلة بالنخيل، وايضاً بالخضروات الأخرى، وأهمها الطماطم والفلفل وعدد آخر من الخضروات الموسمية ، التي يمكن لها أن تقدم له مردوداً مادياً لا بأس به.
وتعتبر المملكة كما يقول الدكتور عبيد العبدلي في مقال له مصدراً مهماً لإنتاج التمور وحسب تقرير اورده قال : يبلغ انتاج التمور في السعودية مليون طن سنوياً بنسبة حوالى 17.9 من الانتاج العالمي ، ويصل جملة ما يوضع للتصدير إلى 4% اي 40 الف طن، ويصل معدل استهلاك الفرد من التمور في السعودية الى حوالى 35 كجم في السنة .
وهناك انباء تتحدث عن وجود 21 مليون نخلة في السعودية، ويصل عدد الانواع التمرية الى حوالى 35 نوعاً رئيسياً، وثمة من يرى ان التمر يمكن ان يكون ثاني غلة او مادة مهمة في المملكة بعد البترول لو تم الاهتمام بهذه الشجرة (النخلة) كما يجب.
ومن انواع التمور المعروفة : السكري، نبوت سيف، العجوة، الصقعي، الخلاص، البرحي، الصفري، الحلوة، الحوشانة، الروثانة، الزعاقة، الحساوية، القطارة، المنيعية، البرني، العسيلة، دقلة نور، مجدول، هلالية، ونانة، رشودية، مكتومي، قرعاوية، خصابة، الذوايّة، حاتمي، سلطانة، أم خشب، أم كبار، أم حمام، السلج، سالمية.
ويزرع النخيل في منطقة القصيم وفي الاحساء وفي المدينة المنورة وبيشة وتربة والخرمة والجوف ونجران والرياض ومكة المكرمة وغيرها، وفي إحدى الدراسات لوحظ ان منطقة الرياض كانت تحتل المرتبة الاولى في انتاج التمور بنسبة 22.6% من اجمالي تمور المملكة، في حين جاءت منطقة الحدود الشمالية اقل المناطق انتاجاً للتمور.