جدة – فيصل سجد
• ماهي حقيقة شح المياه أو ندرتها في المملكة.. ولماذا هذه التحذيرات التي تأتي تباعا من الخبراء والعلماء “المائيين” وهل هناك حرب عالمية للمياه؟.
• من المعروف أنه ليس لدينا مصادر متعددة للمياه في المملكة واعتمادنا يأتي فقط على تحلية مياه البحر ولذلك وجدت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة لتغذيتنا بالماء العذب بعد مروره بعدة عمليات كالتبخير المتعدد المراحل وتقنية التناضح العكسي.
• وهذه تكلف الدولة مليارات وميزانية ضخمة هذا خلاف زيادة معدل الاستهلاك اليومي للفرد وقضية الترشيد التي تغيب لدى البعض. فنحن بحاجة إلى وقفة جادة لمعرفة قدر هذه المياه التي قالوا عنها: الماء أرخص موجود وأغلى مفقود.
• لدينا في المملكة مركزا لأبحاث المياه والبيئة والصحراء الذي يسعى بمسيرته العلمية والبحثية إلى تحقيق أهدافه من خلال إجراء البحوث والدراسات العلمية وخاصة ما يتعلق بمقاومة التصحر والمحافظة على الموارد الطبيعية والبيئية وتنظيم استغلالها، والتشجير وإكثار النباتات والغابات والمراعي الطبيعية.
• ورئيس مجلس جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه خالد بن سلطان خرج بتصريح خطير وقال: لن تكون هناك حرب حدود بل حرب على المياه بين الدول جميعا بغض النظر عن عداواتهم وصداقاتهم بل لمصالحهم جميعا يجب التخطيط السليم لتقاسم المياه تقاسما عادلا ليكون النفع لكل الشعوب بغض النظر عن دياناتهم وعقيدتهم واتجاهاتهم.
• وحذر من خطورة “حروب المياه” في المنطقة وأكد أنها تبث الخوف نحو يفوق الحروب السياسية. وقال: أنا متخوف من حروب المياه أكثر من الحروب السياسية وذلك لأن المياه شحيحة والتحكم في مصابها يستدعي الاحتكام للأمم المتحدة أو الإدارة الحكيمة لها.
• وجدد تأكيداته بقوله: إن منطقة الشرق الأوسط تعتبر هي أفقر المناطق المائية في العالم وفي الشرق الأوسط تعتبر المملكة أفقر منطقة في الشرق الأوسط للمياه ولهذا تولي الدولة اهتمامات كبيرة للمياه وأي إبداع يكون لتنمية مصادر المياه هي تنعكس في النهاية لمصلحة المملكة ودول العالم.
• وأضاف: أن الجائزة دائما في تطوير مستمر وهي من أهم الجوائز المائية في العالم وأنها الجائزة الوحيدة المنضمة لهيئة الأمم المتحدة.
• وأكد على أهمية المياه كونه عنصر الحياة الأغلى وقال: إن النمو السريع في الطلب على المياه المائية يحتم علينا العمل لمواجهة هذا العجز المائي الذي أصبحت تعاني منه معظم دول العالم الغني والفقير ويقتضي لك تجاوز الفجوة المائية الحالية ما بين العرض والطلب وهذا لا يتحقق إلا بوضع سياسات لترشيد الاستهلاك وتنمية الموارد المتاحة وإضافة موارد مائية جديدة تقليدية وغير تقليدية وهو ما يتطلب إجراء بحوث علمية جدية إبداعية وغير عادية قابلة للتطبيق بأقل التكاليف مطالبا بتشجيع المبدعين واستثمار جهودهم وتطبيق نتائج إبداعهم والتعريف بهذه الإبداعات بكافة الوسائل. ومن هذا المنطلق انطلقت فكرة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز –رحمه الله- لهذه الجائزة عام 2002م.
• وأخذت هذه الجائزة دعم ورعاية مؤسسها –طيب الله ثراه- وجهود القائمين عليها موقعها في قمة الجوائز العلمية الدولية المرموقة بتهافت كبار علماء المياه في العالم عليها انعكس ذلك على المصداقية العلمية الدولية رفيعة المستوى وأصبحت تتمتع بثقة عالية.
• وتتميز الجائزة التي أسسها الأمير سلطان بن عبدالعزيز –رحمه الله- عام 2002م أنها عالمية تقديرية دورية تمنح كل سنتين ويقع مقر أمانتها العامة في معهد الأمير سلطان لأبحاث المياه والبيئة والصحراء بجامعة الملك سعود وحصلت مؤخرا على صفة مستشار خاص لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في نيويورك وشاركت في تنظيم المؤتمر الدولي الثالث لاستخدام تقنيات الفضاء في إدارة المياه.
• الدول العربية تقع في منطقة تعد أفقر مناطق العالم ومنها الجزيرة العربية ولهذا جاء الاهتمام الكبير بالمياه وتحفيز صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز –رحمه الله- على إنشاء جائزة عالمية للمياه تحث المخترعين والمبتكرين والخبراء على ايجاد حلول تتبناها الدولة العربية ممثلة في المؤتمر العربي.
• وعند قراءتنا لحال المياه في المملكة نجد أن الأسباب لا تختلف عن بقية أنحاء العالم ولكن مما يزيد الأمر سوءا وتعقيدا عدم وجود إدارة فاعلة لإدارة المصادر المائية تخفف من وطأة هذه المشكلة وتأتي ظاهرة شح المياه نتيجة للتغير المناخي الذي يتسبب بفيضانات عارمة في بعض بقاع العالم.
• ودول الخليج واجهت شح المياه بتنفيذ أكبر مشاريع تحلية المياه في العالم واستطاعت أن تعالج مشكلة النقص في المياه بالتحلية لكن تحلية المياه –كما يقول الخبير العالمي فاروق الباز- لا تصلح للزراعة بمعنى أن تحلية مياه البحر روت ظمأ الناس لكنها لم ترو ظمأ الأرض وبذلك فشلت خطط الأمن الغذائي في دول الخليج التي كانت ترمي إلى توفير سلة الغذاء للمجتمع الخليجي في أي وقت وبأقل الأسعار الممكنة.
• وقد برز مؤخرا صراع حول وظيفتين من وظائف المياه: المياه كسلعة تخدم الأهداف الاقتصادية المتمثلة في الانتاجية الزراعية المرتفعة والتوسع الصناعي ونمو المدن من جهة والمياه كعامل مساعد أساسي لحياة جميع أنواع الكائنات والمجتمعات الطبيعية من جهة أخرى.
• فالوعي المائي أمر مهم ومطلوب التعامل معه على أنه ملف وطني خطير جدا فكوننا بلد نفتخر إلى الموارد المائية فلا نملك بحيرات وأنهار عذبة أو مالحة ولا نشترك مع دول أخرى ببحيرات وأنهار والظروف لدينا صحراوية جافة قليلة الأمطار وهذا ينعكس على مخزوننا من المياه الجوفية وبالتالي تتبلور الصورة النهائية أننا لسنا بدولة زراعية وأن المحاولات الزراعية التي نقوم بها تقوم بشكل أو بآخر باستهلاك إجمالي ما نوفره من المياه سواء الجوفية أو المحلاة.
• والملف الزراعي يعد من أهم الملفات التي يجب التعامل معها لأن قطاع الزراعة في المملكة يستهلك حجما هائلا من المياه الاستراتيجية للمملكة وأيضا على مستوى الخليج العربي وبحسب دراسات متخصصة فإن القطاع الزراعي في دول مجلس التعاون الخليجي تستخدم 80% من المياه المستهلكة.
• الصراع على المياه في الشرق الأوسط ربما يكون سمة المستقبل ذلك أن تحقيق الأمن المائي يعتبر من أهم الأولويات في المرحلة المقبلة ذلك فإن النزاع على المياه قد يكون من العوامل المضافة إلى العوامل الموجودة المسببة لعدم استقرار المنطقة.
• ومن الدراسات التي أجريت حول أزمة المياه في الشرق الأوسط ما أشار إليه التقرير الذي نشره معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن عام 1989م والذي جاء فيه أن الشرق الأوسط سيشهد في غضون السنوات العشر القادمة حربا للسيطرة على مصادر المياه نظرا لزيادة عدد السكان في تلك المنطقة وزيادة برامج النمو الاقتصادي مع انحسار وتضاؤل في كميات المياه المتاحة لذلك فإن مثل ذلك الصراع قد يؤدي إلى تحطيم الروابط الهشة بين دول المنطقة ومن ناحية أخرى أشار مساعد وزير الخارجية الأمريكية هارولد سوندرز في تقرير أعده عن الشرق الأوسط خلال فترة عمله حيث قال: إن هناك مصدرا آخر للخطر غير النفط يجب أن تقال فيه كلمة وهو ندرة المياه.
• وأضاف قائلا: إن قضايا المياه سوف تحظى على نحو متزايد باهتمام القيادات السياسية في المنطقة خلال السنوات القادمة. وتحدث الكاتب الأمريكي جولي كولي في كتابه حرب المياه حيث قال: إن الشرق الأوسط بعد نضوب النفط سوف يشهد حروبا بسبب الصراع على المياه ذلك أن خطط التنمية في المنطقة سوف تعتمد على المياه فقط. كما تحدث الكاتب الأمريكي توماس ستوفر في الندوة الدولية حول “إسرائيل والمياه العربية” والتي عقدت في عمان عام 1985م حيث اعتبر أن المياه العربية استولت عليها إسرائيل بعد حرب عام 1967م “غنائم حرب” حيث احتلت إسرائيل منابع نهر الأردن واليرموك وبانياس وأضاف قائلا: إن أطماع إسرائيل في المياه العربية هي جزء من مفهوم إسرائيلي متكامل لسياسة الموارد التي تشتمل أيضا على النفط والمعادن والسباق التجاري والحصول على الأيدي العاملة الرخيصة والموارد الاقتصادية الأخرى.
• والأمن المائي هو الرافد الرئيسي للأمن الغذائي والقوة العسكرية والتنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية لذلك فإن على العرب أن يولوه أهمية قصوى لا تقف عن حد أو سقف قصير النظر.
• وفي المملكة العربية السعودية بذلت الحكومة الغالي والنفيس من أجل تحلية مياه البحر ومد أنهار على شكل أنابيب إلى جميع المدن والقرى.
• يقول الباحث والمهتم في شؤون المياه الأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الرشيد أن هناك عدة أسباب تجعلنا نجزم أن الخليج العربي لا يصلح مطلقا كمصدر للمياه لأنه.. 1/الخليج العربي عبارة عن بحيرة شبه مغلقة ضحلة لا يزيد معدل عمقها على 60 م ويستغرق استبدال الماء فيها أكثر من سنوات لبعدها عن البحار المفتوحة ولانعدام التيارات البحرية القوية. 2/سوف تزرع شواطئه بعشرات المفاعلات النووية لأغراض التحلية وتوليد الطاقة من قبل دول لا يتوفر لها من الخيارات ما يتوفر لنا. 3/في حربي الخليج عانينا ما عانيناه من تلوث مياهه. 4/الخليج وبصرف النظر عن مشاكله الإقليمية والفنية فهو نقطة التقاء مصالح الأعداء.
• وأضاف الرشيد: إن تجربة تحلية مياه البحر جذابة في مظهرها لكننا نرتكب خطأ قاتلا إن نحن اعتمدناها كاستراتيجية نسقي بها مواطنينا فهي محفوفة بالأخطار من البداية حتى النهاية ويمكن اللجوء إليها إذا انعدمت الخيارات الأخرى فقط. حتى إقامة محطات على بحر العرب كما تفكر بعض دول شمال الخليج. لن تكون بلا معضلات أقلها إمكانية الابتزاز من قبل الدول التي تمر بها خطوط النقل.
• وبحسب الخبراء فإن المراكز البحثية في مجال المياه تفتقد للمصادر سواء كان ذلك في شركة المياه الوطنية أو في وزارة المياه والكهرباء بل وحتى مركز أبحاث المياه في جامعة الملك عبدالعزيز. ولا أحد يعلم عن الوضع المائي في المملكة نتيجة التكتكم على المعلومات.
• وفي خبر ذا شأن متصل “تدرس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية 12 مشروعا ومبادرة لتقنيات المياه في المملكة خاصة أنها تعد من التحديات التي تواجه خطط التنمية الشاملة في المملكة بسبب شح الموارد المائية التقليدية وارتفاع تكلفة الموارد المائية غير التقليدية.
• وأشار تقرير المدينة أنها تعمل على توجيه مشاريع بحثية لمواجهة هذه التحديات من خلال مسارين أحدهما: إجراء البحوث العلمية الرصينة المواجهة لدراسة الموارد المائية المتاحة محليا وتطوير تقنيات المياه الملائمة لاحتياجات المملكة والعمل على امتلاكها عالميا.
• ويقول الخبير المائي البروفيسور محمد بن حامد الغامدي: كنت أعتقد ان المياه تبحث عن إدارة واتضح لي أن المياه الجوفية تبحث عن وزارة تحميها وترعاها وتعمل على تنميتها. بيد أن تعاملنا مع المياه الجوفية أشبه ما يكون بدوامة استنزاف لم تتوقف وهذه الدوامة في زيادة سنوية خلال العقود الثلاثة الماضية تؤكد المزيد من الاهدار على التوسعات الزراعية العشوائية ستقود إلى النضوب ولو بعد حين فنحن نعيش في فوضى غياب الاستراتيجية وخطط وبرامج واضحة للمياه واندفاع زراعي عشوائي سيقود البلد والأجيال القادمة إلى كارثة مياه لا يمكن الخروج منها بسلام.
• وأضاف الغامدي: مياه الأمطار مصدر المياه الجوفية الوحيد ورغم ذلك نمضي للمجهول حتى أصبح وضع المياه الجوفية يشكل خطرا لا يراه الناس فالتحلية ليست الخيار البيئي الاستراتيجي الأمثل. أن نهتم بالإنسان ونتجاهل البيئة فهذا خلل.
• ويقول: في الوقت الذي نستنزف فيه المياه الجوفية نحلي مياه البحر. هذا يؤكد عمق مشكلة التفكير الذي نحمل. فالمياه الجوفية مصدرها المطر ولم يصرف الإنسان قرشا واحدا على وجودها.
• ولخص الغامدي في نقاط مستقبل الماء في المملكة.. أستطيع القول في ظل المعطيات والمؤشرات.. أن مستقبل الماء في المملكة كارثة يهدد الحياة بخطر عظيم.. هناك الطلب المتزايد على الماء.. وهناك الاستنزاف الجائر.. وسوء الاستخدام.. وسوء إدارة الماء.. بالإضافة إلى انتشار التصحر الذي يتسبب في انحباس ماء الأمطار.. أيضا انهيار النظم الزراعية التقليدية.. كالتوسع الزراعي.
• وتساءل الغامدي.. كم عدد الآبار التي تم حفرها في جميع مناطق الصخور الرسوبية؟ (مناطق المياه الجوفية غير المتجددة).. ليس هذا فقط.. كم عدد الآبار في كل حوض من الأحواض الحاملة للمياه في هذه المناطق؟ كم المسافة بين كل بئر وأخرى؟ كم عدد الآبار العشوائية؟ ماذا عن مواصفات حفر الآبار؟ حتى تقارير الوزارات المعنية لا تعلن عن عدد الآبار في المملكة..
• وقال: مستقبل الماء في المملكة.. في جزء منه.. يتوقف على أن يؤخذ عنصر الماء بجدية لا مثيل لها في التاريخ.. لمواجهة نار العطش والجفاف.. يجب أن يؤخذ الماء بعين الجدية في مسارات أي تنمية اقتصادية واجتماعية.. وحتى قبل التفكير في مسارات هذه التنمية.. يجب أن تكون هناك قوانين وأنظمة رشيدة وفاعلة.. أن تكون هناك أجهزة رقابية صارمة تحمي المياه من العبث والإهدار.. أن تكون هناك أجهزة تعمل لإيقاف نزيف الماء من باطن الأرض.. أن تكون هناك أجهزة تعمل لإدارة الماء بشكل رشيد وصارم. وعلينا وقف حفر الآبار العشوائي.. في جميع مناطق المملكة. خاصة في مناطق الدرع العربي حتى تقف عملية ضياع المياه الجوفية الصالحة للشرب.
• وتناول الغامدي أسباب سوء إدارة المياه ذكر منها تصدير المنتجات الزراعية للخارج وزيادة الإنتاج الزراعي؟!
• هل من منقذ لنا وللأجيال القادمة لحقيقة شح وندرة المياه في المملكة؟!