جدة- حماد العبدلي
تعد ظاهرة تأخر الزواج أو ما يسمى بالعنوسة من المشاكل الاجتماعية التي أرقت المجتمع خاصة في السنوات الأخيرة إذ تؤثر فيه بشكل كبير وبشكل خاص على الطرفين الفتاة والشاب ، وذلك للنظرة القاسية من المجتمع تجاه الفتاة التي تأخرت عن سن الزواج مما يكون له أثر سيئ وجارح لمشاعرها واحساسها بالنقص ،
وهي نظرة الشفقة والريبة بالرغم من أن الفتاة لا حيلة لها لحل هذه المشكلة التي تسبب فيها مجتمعها وحاصرها بالقيود الخانقة بينما تقدر الإحصائيات أن عدد الفتيات ممن تخطين سن الزواج 1،4 مليون فتاة ، كما يقدر عدد الشباب بحوالى 600 ألف شاب أي مليوني شاب وفتاة.
ومن هنا كان الاهتمام بالبحث عن أسباب وحلول لمشكلة العنوسة من قبل جامعة الملك عبد العزيز وذلك بعقدها ورشة عمل،مؤخرا، عن المفاهيم الخاطئة والعادات الاجتماعية في المجتمع السعودي والتي توصلت للأسباب الحقيقية لتأخر سن الزواج بين الشباب والفتيات السعوديين أو تخوفهم من فكرة الزواج فقد تم التوصل لقائمة المعتقدات والعادات الاجتماعية الخاطئة التي أدت لتفاقم ظاهرة العنوسة والتي تتمثل في الأسباب الآتية:ارتفاع تكاليف الزواج -الاختيار الاجباري لمعايير الأهل – تعصب بعض العائلات في مسألة الحسب والنسب -المبالغة في المواصفات المطلوبة في اختيار الشريك -ردود الأفعال السلبية للتجارب الفاشلة في المجتمع ونشر الإعلام للمفاهيم الخاطئة عن الزواج.
وكانت نتائج الأبحاث تشير لتسليط الضوء على المشكلة التي تؤرق المجتمع السعودي لدى الجنسين والتي توصلت لأسباب تأخر الزواج ومنها : يرجع بنسبة 45% للمفاهيم الخاطئة عن الزواج -ضعف العلاقات الاجتماعية -القلق من المستقبل الوظيفي في ظل الزواج-اخفاء بعض المشكلات الجسدية والنفسية عن الطرف الآخر -الغيرة من تفوق وتميز الطرف الآخر وخاصة من جانب الرجال -الخوف من تحمل المسئوليات والخوف من العنف الأسري.
التفسير النفسي لظاهرة العنوسة:
يمكننا رصد الأسباب الحقيقة للظاهرة في النقاط التالية:
أسباب اجتماعية : وتنحصر في تفكير الأسرة ، وعدم توعيتهم للأبناء بالمعنى الحقيقي للزواج وبناء أسرة ، وكذلك دور المؤسسات الاجتماعية والهيئات غير الحكومية للوصول لحلول عملية تناسب المجتمع.
الأسباب الاقتصادية : والتي تتمثل في ارتفاع تكاليف الزواج والمالبغة فيها ، مقارنة مع ازياد نسبة البطالة ، والمغالات في تجهيزات البيت والأفراح.
المفتي العام: العنوسة نذير شر وبلاء
وقد صف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء، تزايد العنوسة بأنه «نذير شر وبلاء ومصيبة» محذراً من أن التقارير التي تتحدث عن هذه الظاهرة سواء كانت دقيقة أو مبالغاً فيها، تدق ناقوس الخطر ولابد من إيجاد حلول لها.
كما حذر من أن حصول العنوسة في النساء وزهد الشباب عن الزواج يولد مشكلة خطيرة، لأن من لا يتزوج سيبحث عن إرضاء الغريزة بالطرق غير الشرعية، وهو يتسبب في جميع المشكلات»، مشيراً إلى أن مشكلة العنوسة موجودة وواقعية ولكننا لم نقدم الحلول لها، ولم نسع لإيجاد حلول لها، محملاً المسؤولية على الجميع كل حسب نطاق ولايته، وتضافر الجهود المجتمعية لحلها.
وقال آل الشيخ على موقعه الرسمي على الإنترنت في حديثه عن العنوسة «هناك العديد من المغريات والملهيات والمثيرات التي تجذب الشباب وتشغلهم وتحاول جرهم إلى الشهوات المحرمة» مؤكداً أن الزواج يحمي المجتمع من الآثار المدمرة التي قد تترتب على الإعراض عن الزواج من الشباب والفتيات.»
وتحدث عن أسباب العنوسة في المجتمع قائلاً: «من وسائل العنوسة امتناع بعض الفتيات عن الزواج بدعوى إكمال مراحل التعليم كلها، حتى المراحل العليا، وهذا تصور خاطئ، فالزواج لن يكون حائلاً بينها وبين إكمال تعليمها العالي بل قد يكون في الزواج عون لها على ذلك».
وطالب الأمهات والآباء بعدم التأثير على بناتهن وموافقتهن على الزهد في الزواج أو تأجيله، حاثاً الآباء والأمهات والإخوة والأقارب على ترغيب الفتيات في الزواج.
ومن الأسباب التي حددها المفتي للعنوسة وتواجه الشباب «غلاء المهور وكثرة نفقات الزواج والولائم والبذخ»، وقال إنها تقف حائلاً بينهم وبين الزواج، مطالباً بتكاتف أبناء المجتمع لحلها ويكون للخيرين دورهم في ذلك.
تصرف خطير:
وانتقد مفتي المملكة شروط الفتيات في من يتقدم لهن بأن يكون ذا مال وجاه ومكانة اجتماعية، وأنهن يرفضن شبابا ذوي دين وخلق، وقال «إن هذا تصرف خطير»، مطالباً بالاقتداء بسنة رسول الله وأن تقبل الفتاة من ترضى دينه وخلقه وأمانته، وأن يسأل الآباء والإخوة عن المتقدم ويستشيرون ثم تستخير الفتاة وتستشير.
وأضاف:”من أسباب العنوسة ما يسلكه بعض الأولياء من تعطيل زواج البنات لأنه يريد أن يستحوذ على مرتباتها ومصالحها المالية، وكذلك امتناع بعض الفتيات من الزواج، إذا كان المتقدم له زوجة أخرى، علاوة على رفض بعض الشباب الزواج المبكر لأنه يرى فيه التزاما بالمسئولية، والتزاما بالعائلة والبيت، وانقطاع الإنسان عن جلسائه وعن رفقائه”. وشدد على أهمية الحث على الزواج وقال إن «النكاح فطرة ربانية فطر الله الخلق عليها، وهو آية من آيات الله الدالة على رحمة الله بالخلق، وقد شُرع في الديانات السابقة، وفي شريعة الإسلام، وله مقاصد متعددة»، مشيراً إلى أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن الامتناع عن الزواج، وطالب المسلمين بتقوى الله في فتياتهم والسعي في زواجهن بكل ما لديهم من إمكانيات.
قطار الزواج:
كما وصف الدكتور عبدالرزاق الزهراني أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود، رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية سابقاً، الأرقام التي أعلنت أخيراً عن العنوسة في المملكة بأنها مؤشر على تعقد متطلبات الحياة، وصعوبة توفير الاحتياجات الأساسية لتكوين الأسرة مثل المهر والسكن والأثاث والمصروفات اليومية وربما يكون لحالات الفشل في تأسيس الأسرة المتكررة في محيط الشباب والشابات دور في الإحجام عن الزواج، والفتيات معظمهن يؤخرن الزواج إلى فترة ما بعد إنهاء الدراسة، وبعضهن تؤخره إلى ما بعد الحصول على وظيفة، وكثير منهن يمر بهن الوقت سريعاً، ويتقدم بهن العمر، ويفوتهن قطار الزواج، فتبدأ تصرخ مثل تلك الدكتورة التي صرخت قبل عقدين من الزمن «خذوا الدكتوراه وأعطوني طفلاً»، لأن غريزة الأمومة استيقظت فيها بقوة في مرحلة متأخرة بعد أن فاتها قطار الزواج.
أربعة حلول:
ووضع الزهراني 4 حلول لمشكلة العنوسة أولها إقناع الفتيات أن وظائف المرأة الرئيسة في الحياة تتمثل في 3 حسب الترتيب هي: الأمومة، والعناية بالأسرة، وخدمة المجتمع خارج المنزل، مشيراً إلى معظم الفتيات يقفزن للوظيفة الثالثة ويتجاوزن الوظيفتين الرئيسيتين السابقتين، ويشعرن بالندم بعد فوات الأوان، فالأمومة هي الطريق الوحيد لحفظ النوع وتكاثر البشر، وتعاقب الأجيال. والعناية بالأسرة تعتبر من أجل وأعظم الخدمات التي تقدمها المرأة للمجتمع، فالمرأة تربي عدداً من الأولاد، وتقدمهم صالحين للمجتمع.
وطالب الزهراني الآباء بأن يساعدوا أبناءهم وبناتهم في هذا الجانب قدر الإمكان لتحصينهم، وإكمال نصف دينهم كما يقال، منتقداً العادات والتقاليد والتنافس في المظاهر لما لذلك من دور في تزايد ظاهرة العنوسة، وقال:” إن البعض يزيد الطلبات على المتقدم لابنتهم بحجة أنها ليست ناقصة عن غيرها، ويظنون أنه كلما زادت التكاليف زادت قيمتها، وهذا غير صحيح، فهو يرهق الزوج ويكبله بالديون، وقد ينعكس ذلك على علاقته بزوجته فيقسوا عليها، لأنها في نظره سبب الضيق الذي يعيش فيه”.
وعن إمكانية حصر مصطلح عانس بالمرأة فقط، خصوصاً أن تأخر سن الزواج هي ظاهرة عامة للرجل والمرأة، قال إن كلمة «عانس» لا تطلق إلا على المرأة، أما الشاب فيطلق عليه تعبير «متأخر في الزواج» وحتى كلمة عانس يتغير مفهومها، كما يتغير السن الذي تطلق عليه، من جيل إلى جيل».
مطالب منفرة:
أستاذ الأدب الأندلسي الدكتور سعيد المالكي بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، أقر بارتفاع نسبة العنوسة وتناميها في المجتمع السعودي وقال إنها كثيرة وفي مقدمتها تغير النمط الأسري في المجتمع من أسرة تعيش في منزل واحد مسؤول عنها الأب، إلى أسرة تعيش في منازل متفرقة، ويتحمل كل شاب المسؤولية عن منزله، في وقت نجد الكثير من الشباب حالياً ليس لديهم الإمكانيات المادية لتكوين أسرة، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، والبذخ في الإسراف.ومن الأسباب التي تؤدي إلى العنوسة، أن الأسر لا تعي إمكانيات الفرد المحدودة، فتكلفه ما لا يطيق، ولاسيما مع ارتفاع سقف المطالب المعيشية والحياتية نتيجة الغلاء وتغلغل الفكر الاستهلاكي المتوحش إلى الحد الذي صعبت معه الحياة، ما يؤدي إلى تخوف الشباب من الإقبال على الزواج، خوفاً من وقوع الكثير من المشكلات التي قد يؤدي تكرارها إلى الكراهية ومن ثم الطلاق.وأضاف أن شروط أهل الفتاة في كثير من الأسر تكون عقبة أساسية أمام الزواج، فهي شروط لا تأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية للشباب، لا سيما وأنهم في بداية حياتهم، مشيراً إلى الشباب يبحثون حاليا عن زوجة موظفة تعينهم على الحياة وهو ما يؤخر سن الزواج، ويزيد نسبة العنوسة.
وانتقد المالكي العادات المصاحبة للزواج والتي تدفع الكثير من الشباب إلى عدم التفكير في الزواج وما يترتب على ذلك في زيادة العنوسة، ومنها غلاء المهور وتكاليف الزواج المرتفعة من صالات أفراح ومجوهرات وأثاث وملابس وغيره، التي هي محل تفاخر وتباه بين الأسر حيث يقوم بعض أولياء الأمور بتحميل الخاطب فوق طاقته حتى صار الزواج عند بعض الشباب من الأمور المستحيلة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع نسب البطالة، وغلاء المسكن، وقد بلغ المهر في بعض المناطق مستوى باهظاً ليس في قدرة الكثيرين إلا عن طريق الديون التي تثقل كاهل الزوج، متسائلاً: ما الفائدة التي سيجنيها العروسان من إنفاق مبالغ خيالية على الأفراح؟.
عواقب على المجتمع:
وحذر الباحث الاجتماعي سعد الشمراني على الفرد والمجتمع، وأولها معاناة المرأة العانس من الوحدة والاكتئاب وتعرضها للأمراض والهواجس النفسية فتقضي النهار في هم وقلق، والليل في حزن وأرق، وحياتها كلها انتظار لمن ينتشلها من هذا العذاب، وسوء الظن بأسرة العانس.
وحول كيفية علاج ظاهرة العنوسة، أكد الشمراني أهمية التربية الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، وتكثيف القيم الأخلاقية في المجتمع، لا سيما في البيت والأسرة، وتيسير الزواج بعدم المغالاة في المهور، وتزويج الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، وترك العادات والتقاليد الدخيلة التي لا تتناسب مع قيم ديننا الحنيف، وتعدد الزوجات فهو أمر شرعه الله لصالح المجتمع، وأن على المرأة أن تقبل أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة باعتبار ذلك خير من العنوسة.
وعن دور المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية للحد من تنامي العنوسة، طالب الشمراني المؤسسات والجمعيات بأن تجند طاقاتها وجهودها لمواجهة تفشي الظاهرة، وإعادة الاعتبار إلى شكل الزواج بوصفه رباطاً أسرياً وذلك من خلال، تنظيم الندوات والمحاضرات الدورية للتوعية بالمفهوم الإسلامي للزواج ولمحاربة شتى العادات والتقاليد التي عفا عليها الزمن، وإقامة الأسواق الخيرية المختلفة التي تساهم في توفير متطلبات بيت الزوجية بأسعار معقولة وبهامش ربح بسيط.