تحقيق- رانيا الوجيه
وسائل التواصل الافتراضي، جعلت من البعيد قريبا جدا؛ صوتا وصورة، بعد أن كان وسيلة لتبادل الرسائل والمعلومات المفيدة ، وجمع كل مايدور حول العالم بين يدي مستخدمي تلك التطبيقات التقنية، التي أتاحت أخبار وأحوال الآخرين في أي وقت، وفي كل مكان، على صعيد الأصدقاء وبين العائلات وفي مجالات العمل، ومن أشهر هذه التقنيات ” الواتس آب” . لكن في الآونة الأخيرة، تحولت هذه التقنية إلى وسيلة بديلة من التواصل الاجتماعي المباشر ، كما أصبحت مصدرا لخلافات اجتماعية في الواقع، وعلى تلك الشبكات.
“البلاد” رصدت مجموعة من الآراء المتباينة حول جدوى استخدام “الواتس آب” وكيفية التعامل مع هذه التقنية، وتأثيرها على الواقع الاجتماعي.
في البداية، تقول نوف البيشي مسؤولة العلاقات العامة بإحدى الشركات: الواتس آب أصبح بديل التواصل الاجتماعي، وصلة الرحم بالشكل التقليدي، فمع التقدم التكنولوجي يعتبر الجوال أقرب باليد، وبوجود البرامج مثل الواتس آب، استسهل الأفراد الطريقة لصلة الرحم، بداية بشكل يومي إلى أن أصبحت يوم الجمعة، إلى أن اقتصرت على الأعياد والمناسبات. أما من حيث الصور المعبرة بالواتس آب، التي تعبر عن وضع الحديث، وحالته فأصبح هو الذي يفسر طبيعة نوع الحوار؛ لأن الحديث على الواتس ، لايظهر مدى سعادتي واستيائي لموضوع معين، لهذا استعين بها كثيرا فبدون استخدام صورة الوجه السعيد أو الغاضب أو الضاحك لايكتفي المتلقي لفهم الحديث المرسل له، فمن الممكن أن يفسر بشكل خاطئ.
من جهة أخرى، يتسبب الواتس آب بمشاكل اجتماعية عند عدم الرد؛ لأن هناك من يظن أن ذلك تهميش مني له، إضافة إلى المجموعات على الواتس ، التي تثير المجاملات الفارغه وتصفية الحسابات بين الخصوم عبر تلك المجموعات. ولا أعتقد أنه في حالة تم إلغاء الواتس آب أن ذلك سيجبر المجتمع إلى العودة للتواصل الاجتماعي الملموس بالزيارات والاتصالات الهاتفية، لأسباب عديدة لاندماج المجتمع مع الأجهزة الذكية، ولم نعد نستطيع تحمل من حولنا، إلا بوجود حائل بيننا. وبشكل خاص استخدم الواتس آب، بشكل إيجابي من خلال النقاشات العائدة بفائدة تثمر بتطور الذات.
أخطر وسائل الاتصال:
رسائل الواتس آب وسيلة أفقدت التواصل والعلاقات الاجتماعية معناه الحقيقي، وأصبحت أيدينا تتحدث أكثر من ألسنتنا.. هكذا عبر المهندس وائل باداوود بأمانة جدة، عن رأيه بالواتس آب وأضاف قائلا: لا ننكر أن الواتس آب له فوائد عديدة، وأصبح باستطاعتنا معرفة حال الناس والأحباب من أدنى الأرض إلى أقصاها، ولكن أصبحت رؤوسنا مطأطأة؛ بسبب وسائل التواصل الحديثة والأجهزة الذكية الجديدة، أما عن صلة الرحم فمن وجهة نظري، أن ازدحام واختناق الشوارع أحد الأسباب التي سهلت لوسائل التواصل أخذ مكانها وبقوة في سد ثغرة الاتصال المباشر بالزيارات، كما أن التسارع في الوقت والإنشغالات الكثيرة لكسب العيش، تعد أحد الأسباب في التواصل بالوسائل الحديثة، ولكن يظل المجتمع متمسكا بزيارات العيد، ورمضان ومناسبات الأفراح والأتراح، وفي ذات الوقت ، لا تخلو هذه الاجتماعات من إدمان على شاشة الجوال، وقد تكون في بعض الأحيان حديثا مع من بجواره في نفس المجلس عبر الواتس آب.
ويضيف باداوود: لا يخلو الاتصال المباشر من بعض النفاق الاجتماعي “المدح والمجاملة” فكيف إذا كان بطريقة لا ترى فيها الشخص الذي يتحاور معك؟ أرى أن الأشكال المتوفرة من صور الوجوه المعبرة كافية لتوصيل الفكرة والحالة .. ولكن تظل مقروءة وليست محسوسة لدى الطرف الاخر، إلا إذا كان الطرف المستقبل يكن لك محبة كبيرة، فيقيناً أنه سيشعر بذلك حتى لو كانت بدون أشكال أو صور معبرة.كما أن في علم الاتصال ونظرياته يقال: إن أخطر وسائل التواصل هي الوسائل المكتوبة؛ لأن المتلقي يقرأ الرسالة بحالته الشعورية هو وبمزاجيته وصوته هو في لحظة استقبال الرسالة؛ لذا يجب اختيار الكلمات بشكل دقيق جدا وترطيبها بأشكال
لقد أصبحنا نعرف حتى ماذا يأكل الشخص وأين موقعه الحالي .. ولكن من يستطيع البوح بما في داخله بالكتابة سيتفنن في إيصال حالته النفسية، كما أستخدم الواتس آب لإنجاز بعض أعمالي ، أيضا تلك الوسائل وسعت أفاقي في علم التواصل وإجادة الكتابة .
عزلة عن الواقع
وتتفق مع هذا الرأي الكاتبة والأديبة عبير السمكري قائلة: رغم إيجابيات الواتس آب في التواصل المستمر بين البشر، على الصعيد الشخصي والعملي والتفاعل والمتابعة، للحدث وسرعة وصول الأخبار، إلا أنه للأسف أصبح بديلا للتواصل الواقعي المباشر والملموس، وهذا من أخطر سلبياته، كما أن صور الواتس أو عبارات التعرفة لجهات الاتصال هي تعبير عن ذاته وحالته أو فكره سواء كانت هذه عبارات فرح او حزن أو غيرها من التقلبات المزاجية للشخص، وكثيرا ما يتداول البعض الواتس آب؛ حتى أصبح إدماناً و نجد البعض الآخر في المناسبات مشغولاً برسائله، ومهتم بها أكثر من الأشخاص حوله وهذه ظاهرة أثرت على اللقاءات الإجتماعية والأسرية، فنجد رب الأسرة لا يتحدث مع أبنائه؛ لأنه مشغول بردوده على الواتس آب، والأبناء كذلك يجتمعون على مائدة الطعام وعينه لا تفارق شاشة جواله مما يجعل هذا البرنامج يحجز الروابط الإجتماعية على شاشة الجوال، ولا تخرج إلى أرض الواقع، ومن المؤكد في حالة إلغاء الواتس اب سيكون من الصعب استيعاب ذلك والعودة للتواصل الإجتماعي الملموس ؛ لأن هناك من نتواصل معهم وهم في أرض غير الأرض ووطن غير الوطن . وعن المجموعات التي تنشأ من خلال الواتس آب، توضح السمكري قائله: هناك مجموعات إيجابية تبحث عن هدف من الجروب ، وهناك جروبات سلبية لا فائدة منها، وأسوأ مافي تلك المجموعات هو تناقل الشائعات المغرضة، ونشرها بكل جهالة مما يساعد على نشر الفتن والأكاذيب، كما أن الأيقونات والكتابات التي توضع على الحاله لمستخدمي الواتس آب، لا أعتبرها ممثله لحالة الأشخاص الحقيقية؛ لأنها في النهاية لا تمثل النفسية بشكل كامل، وإنما جزء منها.
الواتس آب واقع افتراضي:
أما مراد الكحيلي، منتج برامج في قناة إقرأ، الذي عبر برأيه باختصار: مع سرعة العالم من حولنا، قل التواصل، وأصبح التواصل في العالم الافتراضي , فالتواصل عبر الواتس آب من الطرق السريعة التي ممكن تختصر علينا الذهاب للقاء الأصدقاء، أو الأقارب، كما أن الصور المعبرة بالواتس آب هي التي تعبر عن وضع الحديث وحالته في حالة الاستياء، أو الرضا أو الفرح والإستكفاء بمعرفة حال الآخرين، إذا كانوا في حالة فرح أم حزن أو من كان لديهم مريض. ومن جانب آخر لايخلو الواتس آب من مشاكل اجتماعية، يسببها عندما يهتم به الأشخاص أكثر مما هم متواجدون أمامه. وعن فوائد الواتس آب وسلبياته يقول الكحيلي : من فوائد الواتس اب التواصل السريع، عدم الحاجه للكلام، إزالة الإحراج بين الأشخاص . أما سلبياته فتختصر في قلة التواصل الواقعي والحقيقي .
وسيلة اتصال.. لامراقبة:
وجدت جريدة البلاد الكاتب بسام فتيني، الذي كان مستاء من الواتس آب من خلال تعليق قام بنشره عبر صفحته على الفيس بوك قائلا: بطبيعة الحال نحن في زمن متغير، بل وسريع التطور من كانوا يتراسلون بالحمام الزاجل، ربما شعروا بالتطور الهائل، حينما ظهر البريد، وهكذا حتى وصلنا للتراسل اللحظي وعلى مستوى العالم في ثوانٍ معدودة، ومن الطبيعي أن يتحول الواتس آب (إن أجدنا استخدامه) لوسيلة تواصل مع الأصدقاء والمعارف، وإنجاز عمل ومواكبة حدث، أما بشكل شخصي فأنا أستخدمه لإنجاز الأعمال، ولنشر مقالاتي وللنقاش حولها ولأتواصل مع العائلة والأصدقاء والأقرباء، وهو فعلا يتحول لوسيلة مزعجة، إن تحول لمصدر إشاعات أو تداول خرافات أو استخلاف لنشر رسالة. والواتس آب يجمع أخبار العالم مما يتيح للمجتمعات الاطلاع على مايدور حولهم حول العالم، ولكن بشرط التأكد من المصدر والخبر؛ لأن بعض الرسائل المتداولة تسبب لي تشنجا عصبيا؛ بسبب غير منطقيتها، ومن زاوية أخرى الواتس آب أمر مزعج جدا فهو وسيلة اتصال، وليس وسيلة مراقبة لاقتحام خصوصيات الآخرين، وأستغرب أحيانا من شخص يتصل بي فلا أستطيع الرد بحكم وجودي في اجتماع على سبيل المثال، ثم أفاجأ برسالة منه على الواتس آب، مفادها أنت متصل ليش ماترد؟!
الرأي النفسي
ومن جهة نفسية، يحللها الدكتور ماجد علي قنش إستشاري نفسي وسلوكيات أسرة “للبلاد” عما يحدثه الواتس آب من آثار نفسية، واجتماعية من خلال تداوله بين فئات المجتمع يوضح مفسرا بقوله:
في الماضي القريب، كان أصل التواصل الاجتماعي بين أفراد العائلة الواحدة، هو عبارة عن الزيارات واللقاءات الأسبوعية، أو حتى الشهرية وأيضاً لقاء الأصدقاء، وكان هناك تواصل مستمر وفعال. بل إن التواصل وصل ذروته، وبعد أن هلت علينا الجوالات، ووضعت بها مواقع التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، بدأ التواصل النظري بين أفراد العائلة والأصدقاء يتناقص وبشكل ملحوظ إلى أن وصل الآن الغياب التواصلي النظري لأشهر والبعض لسنوات؛ بحجة أننا في تواصل مستمر خلف شاشات الجوال، والتي نستخدم فيها مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها (الواتس آب) الذي منعنا حتى من سماع أصوات بعضنا البعض، وأصبحنا نتداول المناسبات وعزيمة الناس ومنهم أفراد عائلتنا المقربون، عبر الرسائل، وكأننا نسينا أو تناسينا التواصل النظري الذي أصبح مفقودا.
أيضاً عملية إرسال الصور ومقاطع الفيديو التي نتراسلها وصلت لدرجة تجد الوالد والوالدة والأبناء في مكان واحد في البيت، وكلٌ مشغول بجواله، ويرسلون لبعضهم وهم في نفس المكان، ومن هنا يتضح لنا مقدار الفراغ الكبير جداً الذي حصل في العوائل وعدم المكوث مع بعضنا البعض والتشاور
أيضا أصبحت مواقع التواصل بشتى أنواعها تلغي كل أواصر التفاهم بالمشكلات الزوجية، فتجد رجلا يتشاجر مع زوجته، أو يريد أن يعبر عن حبه وتقديره لها والعكس عن طريق رسائل الواتساب ، وهنا تم إلغاء الحوار النظري بتاتاً.
شكوك وطلاق
موضوع آخر، يسبب دائماً الغضب والشك بين الأزواج والأصدقاء ، والأصحاب ، وهو كون الشخص متصلا، وتم إرسال رسالة له من أحدهم، ولم يتم قرأتها، أو لم يتم الرد عليها فتجد الآخر يضجر، ويبدأ الشكوك تختلج في صدره، لماذا لم يرد عليه؟ هل هو إهمال لرسالتي، أو أنه يستهين بي وبرسائلي ويحدث الشك بين الزوجين، ويتم طرح عدة أسئلة، في ذهن مرسل الرسالة لم لم يرد عليه ؟ هل زوجي مشغول ويكلم أخرى؟ أو هل زوجتي تخونني مع شخص آخر؛ لذا لم ترد على رسالتي؟ وتحدث المشاكل التي قد تصل إلى الشكوك وتفتيش الجوالات، ومن ثم الخصام والطلاق.
وأكاد أجزم أن مواقع التواصل الاجتماعي (الواتس آب) أحد الأسباب الرئيسية في حالات الكذب والنفاق والكلمات المزيفة، التي تكون للشخص ؛ لأنها خلف الشاشات، وليست ظاهرة وأصبحت تشكل الأزمات النفسية بين الناس.
آخر نقطة، وهي الجوهر أن الواتساب أصبح عند معظم الناس إدمانا ، فأصبح الجوال لا يفارق يديه؛ سواء أكان في البيت مع أهله أو مع أصحابه، أو في العمل، بل وصل الأمر أنه يكتب ويرد على رسائل الواتساب؛ حتى في السيارة وهو يقود؛ مما سبب الحوادث الجسيمة وبعضها أدى إلى الوفاة، وبعضهم أصبح الواتس آب يمثل له هاجسا كبيرا، فعند استيقاظه من النوم أول مايشاهد رسائل الواتساب ، والبعض الآخر وصل إدمانه أنه أصبح ملاصقا له أكثر من متعلقاته الشخصية ، وتجده يشعر أنه ضائع بدونه.