جدة – البلاد
صدر عن دار سيبويه للطباعة والنشر والتوزيع بجدة كتاب ( رحلتي عبر السنين) , لمؤلفه الأستاذ محمد توفيق بن أحمد محمد بِلُّو, وهو كتاب له من اسمه نصيب , إذ يروي المؤلف عبر صفحاته سيرته الذاتية, سارداً فيه كل الأحداث الاجتماعية والسياسية والرياضية التي عايشها بنفسه, موثقا لها.
مؤلف الكتاب أصيب بالعمى في ريعان شبابه, ويعتبر كتابه هذا من كتب السير والتراجم , ومعروف أن كتب السير والتراجم شكل من أشكال الأدب، وهي الأقرب إلى أدب الرحلات، كونها لا تعبأ كثيرًا بالخيال, وتنحصر أهميتها في توثيقها لأحداث العصر، خاصة عندما يكون صاحب السيرة رمزًا من رموز ذلك العصر، وهذه القيمة التوثيقية لكتب السير والتراجم تجعل منها مرجعًا لا غنى عنه للباحثين في سبيلهم لاستكشاف معالم العصر، والوقوف على ما خفي من مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع الذي نشأ فيه كاتب السيرة. وغنى عن القول إن سيرة أي فرد ما هي إلا التجربة الذاتية له،
“فإذا بلغت هذه التجربة دور النضج، وأصبحت في نفس صاحبها نوعًا من القلق النفسي، فإنه لابد وأن يكتبها”، وهو ما حدث مع الأستاذ محمد توفيق بلُّو مؤلف هذا. يتحدث الكاتب عن طفولته الحافلة بالأحداث المثيرة، التي وضعت الطفل محمد بلُّو في مواجهة قاسية مع الحياة منذ نعومة أظفاره، عندما فقد والده وذاق طعم اليتم والحرمان في تلك السنين المبكرة من حياته. لكن بالرغم من ذلك، استطاع أن يجد الكثير من الفرص السانحة والأوقات النادرة التي أتاحت له أن يحيا طفولة سعيدة في محصلتها، من خلال السفر والرحلات والأقارب والمعارف والأصدقاء الذين أحاطوه بالرعاية والحنان، وأضاءوا له الشموع على الطريق من أجل أن يحقق أحلامه في الانطلاق إلى المستقبل الذي يليق به، يساعده في ذلك عدة عوامل، يأتي في مقدمتها طموحه، وإصراره على التفوق والنجاح، وأسرته (المترابطة)، والتشجيع الذي كان يتلقاه من جده لأمه (بابا طاهر)، والأعمام الكثر، و(الجدات)، وأصدقاء والده الأوفياء.
والكتاب حافل بمفردات فولكلورية لعادات وتقاليد الأهالي، والأسماء التي ترتبط ببعض المأكولات والمشروبات والمناسبات والألعاب الشعبية، والكتاب غني أيضًا بالمعلومات التي ربما لم يسمع بها البعض من قبل، مثل تطرق الكاتب إلى مستشفى الجذام ,الذي كان يقع على طريق مكة بعد بحرة, وكاللغات الإفريقية الشائعة في مكة المكرمة (الزبرماوية – الهوساوية – الفلاتة- البرناوية ..)، وكقوله إن مطار جدة هو أول مطار سعودي (أنشأ عام 1945) ,حيث انطلقت منه أول رحلة جوية إلى دمشق.
ولابد وأن يعجب القارئ بالذاكرة الخصبة للأستاذ بِلُّو وهو يصف بالتفصيل ذكرياته في الصفوف الابتدائية الأولى في مدرسة العزيزية، ثم المدرسة النموذجية الابتدائية، ويعدد أسماء كل من عرفهم خلال تلك الفترة المبكرة من حياته، مع وصفه الدقيق لكافة المشاهد والأحداث التي علقت بذاكرته خلال رحلاته المتعددة إلى الولايات المتحدة ومصر ومكة والمدينة والطائف، إضافة إلى الرحلات المدرسية وأنشطته المدرسية الرياضية والفنية وهواياته المتعددة التي سردها بمنتهى الدقة.