حوار

خادم الحرمين قدم أثمن المواقف فى تاريخ القضية الفلسطينية المعاصرة

القاهرة – محمد عمر

علاقة المملكة العربية السعودية بشعب فلسطين أرسخ وطأة من أن يرتاب فيها أحد، وموقفها من القضية الفلسطينية أجل من أية مزايدة، ويشهد التاريخ ويسلم أنها تكاد تكون الدولة الوحيدة التي لم تتاجر بالقضية الفلسطينية على مر تاريخها، ولم تزايد على حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، بل ولم تترك فرصة لمد يد العون إلا وقدمتها سواء بالمساعدات الاقتصادية أو بالدعم الدبلوماسي والسياسي في المحافل الدولية وفي أروقة صناع القرار.

لم تشمل دولة بعنايتها ورعايتها شعبًا كما كنفت المملكة شعب فلسطين في ظلالها، وأفاءت عليه من خيراتها، وجعلته تحت حدقات عينيها، لم يحدث قط أن اتخذت موقفًا مضادًا للعروبة، ولم تسلك في سياستها سبيل النفعية الأنانية، بل ظلت سياستها سياسة حكيمة، لا تشطح إلى بالونات الشعارات الخاوية، ولا تهوى إلى حمأة الحذر المنبطح، لم تنجر يومًا إلى الغطرسة السياسية ولم تجث حينًا على ركبتيها، بل نافحت عن قضايا أمتيها العربية والإسلامية وعلى رأسهما قضية فلسطين، بالحول والمحاولة، دون أن تقع تحت إغواء الافتتان بتصفيق الجماهير ولو على نفقة مصلحتهم الشخصية. لقد كان تأسيس المملكة العربية السعودية – دون خردلة مبالغة – نعمة استراتيجية استفادت منها فلسطين والأمة العربية مثلما يتمتع بها الشعب السعودي الموحد تحت راية التوحيد سواء بسواء،

وأيادي المملكة على الشعب الفلسطيني الشقيق لهي أكثر من أن يشملها إحصاء، بدءًا من مساعي – المغفور له – الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في عشرينات وثلاثينات القرن المنصرم في دعم القضية الفلسطينية بالنفس والنفيس والذود دونها، في الثورة الفلسطينية عام 1929م، ثم دعمه للقضية في مؤتمر لندن 1935م، ناهيك عن موقفه المشرف من الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م، ومواقفه التي لا تعد ولا تحصى فيما بعد، وانتهاءً بمواقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحازمة، تجاه قضية شعب فلسطين، ومكرمته الملكية الأخيرة التي قرر فيها استضافة 1000 حاج من ذوي شهداء فلسطين.

وعلى هامش تواجد محمود الهباش، قاضي قضاة فلسطين، ومستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن” في القاهرة، أجرت (البلاد) هذا الحديث الذي عرج على آخر مستجدات القضية الفلسطينية، وما يتماس منها مع سياسة المملكة.

بداية ما أبرز الملفات التى تناولتها زيارتك إلى القاهرة؟
لقد التقيت بالإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، وبحثنا معا الأوضاع الخطيرة التي تتعرض لها مدينة القدس لا سيما في الآونة الأخيرة، في ظل التهديدات والمخططات الإسرائيلية الخطيرة للسماح لليهود بالصلاة في المسجد الاقصى، بالإضافة إلى بحث آليات التحرك وبصورة عاجلة فيما يتعلق بمدينة القدس والمسجد الأقصى.

وهل ثمة قرارات أو اتفاقات انتهت إليها المشاورات؟
نعم، وقد تمثلت في تفعيل نتائج مؤتمر نصرة القدس والذي عقد في مقر الأزهر، حيث أكدنا على ضرورة تنفيذها، كما تم بحث المقرر الدراسي الذي أعده الأزهر بالتنسيق مع فلسطين، بحيث يدرس في المعاهد الأزهرية ما يتعلق بمدينة القدس وتاريخها. وجددنا رفضنا الكامل للقرارات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الشعب الفلسطيني، وقد أكد الأزهر الشريف على موقفه الداعم لفلسطين وللشعب الفلسطيني وقضية القدس.

فيم تتمثل الهواجس المتعلقة بوضع القدس؟
أخشى أن ما يقوم به اليهود من شعائر دينية وصلوات بالمسجد الأقصى يؤدي إلى مذبحة، أو يؤدي أيضًا إلى التقسيم الزماني والمكاني للأقصى وهذا ما تسعى إليه إسرائيل.

هذا يغريني بالسؤال: كيف ترى جهود المملكة فى دعم القضية الفلسطينية؟
فى البداية أتوجه بالتهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز – حفظهما الله – بمناسبة احتفالات اليوم الوطنى، ونحن جميعًا نحتفل ونعتز به؛ لما يمثله هذا اليوم من قيم توحيد العرب، وما يعكسه من روح الانتماء الوطني والعربي، لقد كان تأسيس المملكة إنجازًا تاريخيًا حقيقًا بالاحتفال والاحتفاء، فلقد أثبت التاريخ أن هذه الدولة الكبرى حملت على عاتقها أعباء القضايا العربية، ولم تدخر وسعًا في مد يد العون لشقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، والشعب الفلسطيني يذكر بكل فخر مواقف المملكة الثابتة تجاه القضية الفلسطينية على مر التاريخ.

كيف تنظر لمواقف خادم الحرمين الشريفين تجاه القضية الفلسطينية؟
خير خلف لخير سلف، ولا زالت كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عالقة بذهني، عندما قال جلالته لأخيه الرئيس محمود عباس أبو مازن “نحن مع فلسطين فى كل ما تريد، نقبل ما تقبلون، ونرفض ما ترفضون”، ونحن نقدر المواقف العظيمة للمملكة تجاه القضية الفلسطينية، ولا يستطيع أحد أن ينكر ما قدمته المملكة لشعب فلسطين، وللقضية الفلسطينية، سواء على الصعيد السياسي أو الدعم المادي؛ إذ تعد المملكة الداعم العربي الأول للشعب والقضية الفلسطينية، واحتضان ذوي الشهداء بمكرمة خادم الحرمين الشريفين، والدعم السياسي القائم على عدم قبول حل إلا باقامة دولة فلسطينية مستقلة، ونشهد بكل فخر ووضوح موقف خادم الحرمين الشريفين فى قمة الظهران بإعلان القمة بأنها قمة القدس.

كيف استقبل الشعب الفلسطينى مبادرة خادم الحرمين بإعلان القمة العربية الماضية بأنها قمة القدس؟
لقد جاء هذا الإعلان فى وقته ومكانه المناسب؛ إذ صدر في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تحاول أن تبعد القضية الفلسطينية عن الساحة الدولية، عبر الاعتراف بأن القدس عاصمة إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية بها. فقد جاء رد خادم الحرمين الشريفين والرد العربي ، ودعني أقول إن المملكة قادت الأمة العربية إلى توحيد الموقف العربى تجاه القضية الفلسطينية، وفرضت هذا الموقف على الجميع، وهذا القرار يعد ردًا معنويًا وسياسيًا له أبعاد كثيرة، لا سيما أنه حمل طابعاً خاصاً نظرًا لارتباطه بخادم الحرمين الشريفين وأرض الحرمين الشريفين، وهو الأمر الذي يمثل كثيرًا من المعاني والدلالات على المستوى العالمي والعربي .

حدثني عن نظرتكم لدور المملكة فى توحيد الصف الإسلامي والعربي؟
المملكة لها خصوصية ومكان ومكانة متميزة فى قلب كل عربي ومسلم، وتمتلك طاقة وتأثيراً روحياً هائلاً على مجمل العرب والمسلمين فى العالم، والمملكة تمتلك قدرة تأثير وقوة غير مسبوقة، وهذا ما يزيد الأعباء عليها ، ودعني أشير إلى أن ثمة دول أكثر من غيرها فى دعم القضية الفلسطينية وتأتى المملكة على رأس هذه القائمة ولم تتردد فى قبول هذا التحدي وزيادة دعمها للقضية الفلسطينية .

هل حدثتني بمزيد من التفصيل عن المزايا التي تخص بها حكومة خادم الحرمين الشريفين الشعب الفلسطيني الشقيق؟
لقد حصلنا هذا العام على عدد إضافي فيما يتعلق بالحصة المقررة لفلسطين من أعداد الحجاج بزيادة قدرها 1000مقعد إضافي، وحصلنا أيضًا على 1000 مقعد لذوي الشهداء والمصابين، الذين جاءوا ضيوفًا على خادم الحرمين الشريفين، وهذا الأمر بالغ الدلالة فى هذه المرحلة بالذات، التي تشهد محاولات مستمرة من بعض الدوائر في معاقبة ذوي الشهداء؛ إذ تأتي المملكة وتتصدر المشهد وتعيد الأمور إلى نصابها بتكريمهم، وتعزيتهم وتضميد جراحهم، وهذا ما عهدناه ومانزال نعهده وننتظره من الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.

ما هي الإشكاليات المتعلقة بالأماكن المقدسة والتاريخية الموجودة بالقدس في الوقت الراهن؟
في الواقع فإن بعض الأوقاف فى القدس بحاجة بشكل عام إلى دعم ومساندة كبيرة فى ظل التحدي الذى تتعرض له المدينة المقدسة مع الهجمة الإسرائيلية الشرسة لتهويد المدينة، فالدولة الصهيونية تنفق مئات الملايين من الدولارات على تهويد القدس، فى المقابل يجب أن يكون هناك مواقف عربية وحشد ودعم عربي كبير لمواجهة تلك الهجمات.

دعم المملكة للمحافظة على الأماكن التاريخية والمقدسة في فلسطين .. كيف تراه؟
في الحقيقة تدعم المملكة بشكل قوي صمود الشعب الفلسطيني، من خلال دعم المشروعات والإسكان والمحافظة على المناطق والمباني الأثرية، حتى تستطيع أن توفر الحياة الملائمة لأهل القدس، وبالتالى توفر لهم مناخًا يتيح لهم القدرة على الصمود، وقد عززت بالفعل المكرمة الأخيرة من المملكة صمود شعبنا الفلسطيني، كما ساهمت بنصيب وافر في دعم وحماية المقدسات، ولا يفوتني في هذا الصدد أن أتقدم بخالص الشكر لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – على جهودهما ودعمهما للقدس.

هل ترى أن القضية الفلسطينية تأتي على رأس أولويات القيادة السعودية؟
نعم وبشدة، فلطالما أكدت المملكة على موقفها العروبي الثابت الذي لا يتزعزع تبعًا لأي مواءمات سياسية، ولا يتبدل مع تغير العهود، حيث تتميز المملكة دون كثير من الدول العربية الشقيقة بموقفها الثابت الذى لا يعتد بأي سلام ولا استقرار فى الشرق الأوسط دون حل عادل للقضية الفلسطينية، ومن يريد أن يحقق السلام عليه أن يتبنى هذه الرؤية، والمملكة هى صاحبة مبادرة السلام العربية التى تمثل كما يصفها الرئيس أبو مازن بأنها أثمن مبادرة فى تاريخ القضية الفلسطينية المعاصرة، فى ظل المعادلة القائمة.

هل تجد ما يعبر عن ذلك في أجندة السياسة الخارجية؟
بكل تأكيد فإننا لم نلمس من السياسة الخارجية السعودية إلا كل ما يؤكد حرص القيادة السعودية على مصالح الشعب الفلسطيني، ودائمًا ما نشعر أن القضية الفلسطينية هى محور اهتمام القيادة السعودية والشعب أيضًا، ومساندة المملكة ومواقفها خير شاهد على أنها تضع فلسطين على رأس أولوياتها، وهذه سياستها الواضحة التي يعرفها القاصي والداني، وهو نهج واضح يؤكده ما يصدر عن المملكة من مواقف معلنة تشدد على هذا الموقف العروبي الأصيل، كما أن المملكة ملتزمة بدفع حصتها المقررة من الجامعة العربية بانتظام، وأضف إلى ذلك أنها تقدم مساعدات إضافية للشعب الفلسطيني حتى يتمكن من مواجهة الظروف الصعبة التى يمر بها .

وأكرمنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان،حفظه الله، بالدعم والمساندة فى المجالات الإغاثية والإنسانية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، والأعمال الإنسانية من خلال المساعدات التنموية والإنسانية.

اعرب “استغلال طهران القضية الفلسطينية للمتاجرة بها سياسيًا”؟
لا محل لها من الإعراب، إننا لا نقبل أية مزايدات على حساب القضية الفلسطينية فضلًا عن أن مثل هذه المزايدات تسيء للقضية الفلسطينية ولا تخدمها، ونحن لا نريد ترديد الشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، نحن نريد أعمالاً وأفعالاً واقعية، ونحتاج لدعم حقيقي، وفي حاجة لإسناد صمود الشعب الفلسطينى، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية ومحاولة العبث بها واستغلالها لتحقيق مصالح وأهداف وأجندات سياسية خاصة أمر نرفضه تمامًا، كما نرفض أي محاولة للتسلل إلى الصف الفلسطيني وخلخلته واستقطابه لتحقيق مآرب سياسية لدولة أخرى، تكيد لبلادنا العربية والإسلامية ليل نهار.

وكيف تقيم دور نظام الملالي تجاه القضية الفلسطينية؟
بدون أية مزايدات أقول لك بصراحة إن النظام الإيراني كان له دور سالب للغاية فى القضية الفلسطينية، ولم يكن عاملًا إيجابيًا قط، ولم يحقق أي إنجاز حقيقي يخدم القضية، أو يخفف من معاناة الشعب الفلسطيني، بل على العكس كان الدور الإيراني ذا تأثير سالب في القضية الفلسطينية دوليًا، فضلًا عن دوره في إحداث انقسام خطير في الصف الفلسطيني بصورة تعزز من زعزعة استقرار وتوحيد كلمة الشعب الفلسطيني، ناهيك عن أن إيران تدعي أنها عدوة إسرائيل لكننا لا نرى شيئًا من هذا على أرض الواقع.

ما إحداثيات المصالحة الفلسطينية الآن وإلى أين وصلت؟
في الوقت الراهن المصالحة الفلسطينية مجمدة ومتوقفة ونحن نريد مصالحة تنهي هذا الفصل القاتم من تاريخ الشعب الفلسطينى الذي يواجه من التحديات ما لا يسمح برفاهية الخلافات الداخلية، فنحن في أمس الحالة لرأب هذا الصدع، وتحقيق الوحدة الوطنية التي تضمن للشعب الفلسطيني توحيد كلمته وقوة موقفه وجبهته الداخلية فى مواجهة الاحتلال، ولا يقبل أحد أي مصالحة تقوم على أساس التسليم بالأمر الواقع، أو تنفيذ مآرب صناع الانقسام لا أحد يقبل ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *