جـواد الحـمد
ينظر إلى طبيعة العلاقة الممكنة للولايات المتحدة مع العراق، الذي تحتله وقد أسقطت نظامه وأشرفت على تدريب قواته المسلحة وقواته الشرطية، بأهمية بالغة في الأوساط والدوائر الأمريكية لما له من انعكاسات متحققة على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها
في المنطقة، وعلى رأس ذلك كله النفط كمصدر أساسي للطاقة في الدول الصناعية، وعلى نفس الصعيد فإن القوى السياسية العراقية تنظر إلى هذه المسألة من زوايا مختلفة، ولكنها جميعا تقع في دائرة الأهمية والنظرة الإستراتيجية .
في ظل هذه المعادلة وبعد أن فشلت الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار الكامل في المنطقة، فقد أصبحت تعاني الكثير من القتلى والجرحى جراء أعمال المقاومة، كما عانى الشعب العراقي الكثير جراء العدوان والإرهاب الأمريكي من جهة وجراء أعمال المجموعات
الإرهابية العراقية والعربية التي تعمل في العراق من جهة أخرى . النص المقدم من الرئيس بوش إلى المالكي كمسودة أولية لاتفاق التعاون – بوصفها وثيقة سرية وشخصية – أعدت في 2007/11/19 ، والتي ربما تم تعديل بعض بنودها خلال المفاوضات السرية اللاحقة .
ويحرص الطرفان على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الإستراتيجية في البحث في نوعية العلاقة المستقبلية، فالولايات المتحدة تسعى إلى تشكيل حالة من التحالف العسكري والاقتصادي والأمني مع الحكومة العراقية تتمتع بالاستمرارية والشرعية على صعيد البرلمان والقوى السياسية، وينظر إلى المشروع الأمريكي لمسودة الاتفاقية أو إعلان المبادئ المشترك بنوع من الريبة من قبل قوى المقاومة والقوى السياسية السنية على وجه الخصوص، كما تتحسس إيران إلى حد ما من هذه الاتفاقية، برغم أنها تقيم علاقات تنسيقية متعددة مع القوات الأمريكية في العراق، لكن الطابع الإستراتيجي لهذه الاتفاقية المرتبط بالقواعد العسكرية والمجال الأمني يجعل من مثل هذا التحول في العلاقة بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة مجالا لإعادة نظر إيران بعلاقاتها مع الولايات المتحدة في العراق، لكنها في النهاية ستعمل من خلال حلفائها على تطويق أي تداعيات سلبية على مصالحها من جهة، وستسعى إلى ابتزاز الولايات المتحدة والغرب عموما مقابل تخليها عن تحفظها على توقيع مثل هذه الاتفاقية . وبالرجوع إلى المسوّدة التي صيغت لترتيب العلاقات المستقبلية بين الطرفين في 2007/11/19 ، يمكن إبداء الملاحظات التالية :
– ١ إن الادعاء بأن العراق وهو يوقع هذه الاتفاقية إنما يوقعها وهو يتمتع بكامل سيادته هو ادعاء غير حقيقي، فالعراق يرزح تحت نير الاحتلال والقوات المتعددة الجنسية بقيادة الولايات المتحدة، وبذلك فإن حكومته وبرلمانه ليسا مؤهلين لتوقيع هكذا اتفاقيات إستراتيجية تتعلق بمستقبل الأجيال القادمة كما تشير ذات المسودة المقترحة في ديباجتها .
2- تؤكد مقترحات المسودة في المجال الدبلوماسي نوعين من الالتزامات المتبادلة، أحدهما يتعلق بدعم العراق من قبل الدولة العظمى الأولى في العالم لتفرض له حضورا وحقوقا ودورا في العالم والمنطقة، والثاني يتعلق بالوصاية والتدخل في الشئون الداخلية، وعلى الأخص بنود 1 ، 2 ، 3 من أولا . -3 توفر الوثيقة الفرصة الاقتصادية للعراق للنماء والتقدم، ولكن ضمن المظلة والمحضن الأمريكي، وبما يدعم الاقتصاد الأمريكي ومصالح الولايات المتحدة الاقتصادية في المنطقة، ويعد العراق عندها من الدول الأولى بالرعاية بهدف تمكينه من تحقيق المصالح الأمريكية المرجوة في العراق والمنطقة بكفاءة .
العودة للاستعمار القديم ٤ تمثل البنود الواردة في المجال الأمني خلق صورة بديلة للاحتلال ولكن بكل امتيازاته، وهي الصورة القريبة لمراحل الاستعمار الأوروبي السابق في المنطقة، حيث تجعل من العراق دولة يرتبط أمنها وقواتها ووجودها السيادي بالولايات المتحدة وسياساتها وعلاقاتها الدولية،
وهو .-ما يضع مستقبل العراق كاملا بيد الولايات المتحدة
– ٥ يشكل البند ١ في ثالثا حالة من الوصاية الأمريكية على العراق في مقابل حمايته من الأخطار الخارجية والداخلية من معارضي الحكومة، أو معارضي السياسات الأمريكية في المنطقة، فيما يجعل البند ٢ من العراق طرفا في برنامج الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب بما سمي \" الحرب على الإرهاب \" ، والتي تسببت بتضخم العمل الإرهابي الدولي، خصوصا في العراق، وبالتالي يصبح مطلوبا من العراق أن يعادي كل من يعادي الولايات المتحدة إذا أرادت الولايات المتحدة أن تساعده على هزيمة المجموعات الإرهابية لديه، علما بأن كثيرا من هذه المجموعات يتغذى على الاحتلال الأمريكي والتدخل من دول الجوار، بل ربما يوجهه بعضها ضد الشعب العراقي لمصلحة هذا أو ذاك، ومن هنا فإن أجندة مكافحة الإرهاب المطروحة إنما هي أجندة أمريكية، حيث إن الإرهاب مرتبط إلى حد كبير بوجود الاحتلال، علما بأن الإرهاب والمجموعات الإرهابية سوف تنكشف عندما تضع المقاومة سلاحها بعد رحيل الاحتلال لتشارك في بناء الوطن واستقراره .- ٦ أما البند ٣ في المجال الأمني فهو استمرار طبيعي لدور المحتل الحالي في السيطرة على الخبرات والموارد والمهام والوظائف التي تضطلع بها أجهزة
الأمن، وبالطبع وإن لم يكن واضحًا تمامًا فإن النص يفيد بأن تكون أي علاقات أمنية أخرى للعراق مرتبطة بتحقيق أهداف العلاقة مع الولايات المتحدة وبعلمها وموافقتها .- ٧ لتوقيع هذه الاتفاقية التي تزعم الولايات المتحدة أنها لمصلحة العراق، تشترط الوثيقة شرطين
أساسيين :
أن يطلب العراق من مجلس الأمن الدولي تمديد وجود القوات متعددة الجنسية بحجة الحاجة لها رسميا، مقابل العمل على رفع العراق من الوقوع تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في هذا التمديد لإعطائه الفرصة للتحرك كدولة مستقلة كاملة السيادة،
وليؤهله ذلك أيضا لتوقيع مثل هذه الاتفاقية أساسًا .
أن ينتهي التفاوض والتوقيع مع نهاية ٣١ يوليو ٢٠٠٨، وهو سقف ضاغط على الجانب العراقي قد لا يمكنه من دراسة التبعات والتداعيات الناجمة عن مثل هذه البنود، خصوصا في ظل الحاجة الماسة لتشكيل رأي عراقي موحد حولها، لدى القوى السياسية والبرلمانية المختلفة، ناهيك عن التوافقات الطائفية والإثنية اللازمة عليها .
٨ لم تشر مسودة المشروع إلى أهمية موافقة البرلمان العراقي والكونجرس الأمريكي عليها .- ٩ تعتبر هذه المسودة بمثابة استسلام العراق بمقاومته وأحزابه السياسية لنتائج الهزيمة التي مني بها النظام العراقي السابق أمام الولايات المتحدة، وتقر بأن الاحتلال مطلب
.-عراقي رسمي يعبر عن رغبة أبناء الشعب العراقي
– ١٠ تعد البنود الأمنية بشكل رئيسي وغيرها في بعض المجالات، محددات أساسية لحركة العراق الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية مع الدول العربية والإسلامية في المنطقة، وتعتبر الولايات المتحدة شريكا للحكومة والبرلمان في اختيار الحلفاء والأصدقاء والعلاقات
والسياسة الخارجية، وتعتبر مسودة الاتفاق التواجد الأمني والعسكري الأمريكي حماية للعراق، برغم أنه يهدد المصالح الوطنية العراقية، خصوصا أنه قد يخلق حالة من عدم التوافق الوطني، وقد يتسبب بتصاعد أعمال الإرهاب أو على الأقل استمرارها بمبرر وجود هذه القوات على الأراضي العراقية وباتفاقات تنتقص السيادة العراقية .
١١ يعتبر إقرار الاتفاقية بروح هذه المسودة أو بتعديلات عليها مسا بالسيادة الوطنية العراقية وقيدًا على حرية اختيار العراق لأصدقائه وحلفائه بعد انسحاب قوات الاحتلال .
الوجه- حفظ ماء
١٢ يعد توقيع الاتفاقية تحقيقًا للنصر الذي وعد به الرئيس جورج بوش الشعب الأمريكي على الإرهاب في العراق كما سماه، وبالتالي يعتبر حفظا لماء وجهه بعدم أخذ قرار بالانسحاب العسكري من العراق حسب مطالب الحزب الجمهوري والكثير من الأمريكيين، وهو
ما .-يخدم توسع نظرية المحافظين الجدد في الولايات المتحدة إزاء نظرية الضربة الاستباقية وغيرها، وقد يساعد على تزايد نفوذهم في المراحل التالية على مختلف الصعد العسكرية والاقتصادية والسياسية والفكرية
١٣ ربما يعتبر البعض هذه الاتفاقية بمثابة تبرئة للولايات المتحدة من أي تبعات قانونية جراء الأخطاء السياسية أو الأمنية أو العسكرية، أو جراء الممارسات غير القانونية للجنود والضباط الأمريكيين في العراق ضد أبناء الشعب العراقي أو ضد مقدراته البشرية والنفطية
.-والمالية والطبيعية المختلفة وغيرها
١٤ تتحمل الأطراف العراقية الموقعة على مثل هذه المسودة مسئولية طلب الاستعمار وتحميل الشعب العراقي أعباءه، وتحقيق الوصاية للولايات المتحدة على سياسة ومقدرات الشعب العراقي ومستقبل أجياله الحرة، وتمنع بالتالي عودة العراق إلى الحضن العربي كبلد
.-عربي خالص، كما تمنع تحركه كبلد إسلامي خالص، خصوصا في ظل الدستور الذي تسير عليه البلاد اليوم