أوراق .. وذاكرة الأرشيف

الشيخ عبد الرحمن فقيه يتذكر .. صناعة الدواجن كانت ضعيفة في بلادنا وإنتاجها محدود ولا يعتمد عليه (الحلقة الخامسة)

تقوم الأمم في نشأتها على جيل من الرواد يصنعون البدايات ويضعون الأساسات. الشيخ عبدالرحمن فقيه أحد أولئك الرواد الذين بدأوا في الزمن الصعب وانطلقوا من المساحة اليباب، ليبنوا للوطن ويخدموا مواطنيه. تميزت رحلته منذ البداية بشغف العلم ورغبة التعلم، فسعى للمعلومة رغم شحها أينما وجدها أو أوجدها. ولأن الحاجة أم الأختراع، فقد وظف كل ما توصل اليه في اكتشاف الغائب والمستور والمجهول، واستخراج درره لخدمة مجتمعه. فمن محاولاته الأولى لتصنيع الصابون الى براءات الأختراع الأخيرة في مجال التكييف وتوفير المياه والطاقة، عكف الباحث والمخترع على البحث عن حلول لمشاكل وطنه من بيئته وبإمكاناته الذاتية.

وتميز أداءة بطلب المثالية في كل منتج، والدقة في كل عمل، والإضافة في كل إنجاز، والخدمة المجتمعية في مجمل العطاء. هكذا كانت سمات مشاريع فقيه من السمن النباتي للدواجن، ومن مشاريع تعمير مكة المكرمة الى زراعة وتبريد أجواء المشاعر، ومن مصانع الأعلاف الى المشاريع السياحية على كورنيش جدة، ومن مركز فقيه للأبحاث والتطوير الى مدارس فقيه النموذجية.
لم يكن فقيه تاجرا يبحث عن المنتج المضمون، بل غامر في كل مرة بتعريف المستهلك على سلع مجدية لم يعتادها، كالسمن النباتي والدواجن. وغامر أكثر في مشاريع شركة مكة للإنشاء والتعمير بإدخال مفاهيم جديدة كجمع شتات الأملاك الصغيرة والأوقاف في مشاريع كبرى تخدم أطهر البقاع واعز الضيوف، ضيوف الرحمن.
وهاجس المعلومة الذي طاردها في شبابه لم يغادره يوما فحرص في كل مشروع على إيجادها وتوظيفها، فكانت دراسات الجدوى التي يقدمها لولاة الأمر مثالا على جودة الدراسة ودقة المعلومات وكفاءة التوظيف. كما بدا ذلك في حرصه على تأسيس المختبرات ومراكز المعلومات في كل مشاريعه.
ضيفنا الكبير لديه الكثير في عمره الطويل بإذن الله من الإنجاز والعطاء، تلخصها فصول هذا الكتاب لعلها توفر النموذج والفائدة للجيل الحالي والأجيال القادمة، والذكريات الجميلة والأثيرة لمن سبق من الأجيال.
الدجاج والبيض البلدي
لم تكن صناعة الدواجن معروفة في بلادنا سوى ما يربيه البعض في منازلهم ويغذى من فضلات طعامهم، وقد يكون ذلك على سبيل الهواية وما يحصل عليه من لحم الدجاج أو البيض يعتبره صاحب المنزل مكسباً غير منتظر .
وكان يرد إلى مكة المكرمة إنتاج بعض المزارع المحيطة بها مثل (وادي فاطمة) و(الزيما) و(المضيق)، وعندما أقول ( مزارع ) فإنني أقصد تربية الدواجن إلى جانب الأغنام ومزروعات أخرى يطلبها السوق كالليمون في الزيما، والخضروات في وداي فاطمة، وما شابهه من مزروعات .
ويرد من القرى المجاورة كميات محدودة من البيض الذي قلّ أن يصل سليماً، ولا مقياس لسلامة البيض إلا بكسره بعد شرائه، فقد تكون هناك ثلاث بيضات سليمة من كل عشر.
كما يصلنا من اليمن كميات بسيطة من الدواجن عبر وسائل مواصلات بدائية كالجمال والحمير والمراكب الشراعية.
الدجاج .. وجبة الطبقة المرفهة
لم يكن الدجاج أو البيض في ذلك الوقت سلعةً غذائية يعتمد عليها، وكان الذي يريد أن يقيم حفلا يتطلب كمية كبيرة من البيض يتصيد الوارد إلى الحلقة حتى يوفر المطلوب.
ذلك أن الدجاج والبيض لم يتوفرا بالشكل الذي نراه الآن، والدجاج على وجه التحديد لم يكن وجبة غذائية أساسية في ذلك الوقت، ولا يحظى بأكله إلا الطبقة (المرفهة) نظراً لندرته وغلاء سعره. ويكفي أن نعلم أن تربية الدجاجة الواحدة تستغرق أكثر من عامين حتى تصل إلى الحجم المناسب للأكل. هذا ما كنا نعرفه عن الدجاج والبيض في تلك الايام.
استهوتني دورة إنتاج الدجاج والبيض
ولم يكن لدي في ذلك الوقت أي توجه نحو دخول صناعة الدواجن كمجال تجاري، لكن الفكرة كانت تستهويني كثيراً ، فقد كنت استعرض في ساعات فراغي تلك الدورة الطويلة التي تمر بها تجارة الدواجن في محيطها الضيق جدا. وكنت أتسآل مع نفسي لماذا يظل تناول البيض والدجاج محدود جدا؟ ولماذا لا يتاح للجميع الحصول عليهما في الوقت الذي يريدوه دون البحث عنهما في الحلقة، ودون انتظار قوافل المزارعين ومربي الدجاج حتى تصل إلى مكة او الى أي جزء آخر من بلادنا؟
زيارتي لتربية الدواجن في مزارع الخرج
في العام 1370 هـ 1950م كنت في زيارة للرياض، وكان أن دعيت وصديقي الشيخ بسام البسام من قبل صديقنا المهندس محمد علي مكي، وكان يعمل وقتها مديرا لمزارع الخرج التابعة للقصور الملكية، والتي كانت تتبع لإشراف معالي المرحوم الشيخ عبد الله السليمان، وزير المالية الأول والأشهر. دعانا المهندس المكي، والذي أصبح فيما بعد وكيلا لوزارة الزراعة، لزيارة المزارع، وكانت تشمل تربية الأبقار والعجول والدواجن. وقد شد انتباهي الرعاية شبه الفنية التي تحظى بها الدواجن من (فقاسات) و(أمهات الدواجن) و(الدجاج اللاحم)، وإن لم تكن قد أنشأت على نطاق تجاري ،وإنما أوجدت وهيأت للاستخدام الخاص والفائض منها يعرض في السوق وعلى نطاق ضيق جدا.
قراري دخول صناعة الدواجن
كانت هذه الزيارة لقسم تربية الدواجن في مزارع الخرج حاسمة في مسيرتي العملية، فقد شعرت منذ تلك اللحظة بأن الدجاج والبيض هما المنتج المستقبلي الذي تتطلبه حاجة البلاد، وعقدت العزم حينها أن يكون هذا هو المجال الذي سأطرقه إن شاء الله، خاصة بعد أن زاحمنا المنافسون في تجارة (السمن النباتي)، وبعد أن أصبح متواجدا بأنواع وأصناف عديدة إلى جانب الزيوت النباتية التي امتلأ السوق بها .
توقعت أن الدواجن سوف تكون سلعة جديدة تغزو الأسواق بكل إمكانياتها وعطائها، وسوف يقدرها ويقبل عليها المستهلك، وتصبح طبقا رئيسيا على مائدة الأسرة، إذا توفرت بكميات كافية وأسعار مقبولة، وتيسر الحصول عليها في كل مكان.
عودة للتجارب الصناعية
دارت في رأسي هذه الأفكار وأنا أتنقل في مزرعة الخرج وأشاهد نشاطها المحدود في مجال تربية الدجاج والأبقار والجمال والنعام، وطلبت من الصديق محمد علي مكي أن يعطيني ثمانين بيضة من بيض (التفقيس) وبعثت إليه من يستلمها من مزرعة (الخرج). ولكنني عندما بحثت في مكة المكرمة وجدة وفي وزارة الزراعة عن فقاسة واحدة ملائمة لكي أجري عملية (التفقيس) عليها لم أجد .
عدت أدراجي إلى سنوات الشباب، وشمرت عن ساعدي للدخول في تجربة صناعية جديدة. قد تبدو التجربة هذه المرة سهلة نوعا ما لتوفر عناصرها، فقد تقدم وضع البلاد وتوف رت لها عدة مستلزمات لم تكن موجودة في الماضي عند محاولاتي صناعة الصابون والنشا والكلور.
بدأت محاولاتي أولا بالقراءة وتوفير المعلومات اللازمة عن طريق الاطلاع على بعض الكتب المهتمة بشئوون الدواجن، ثم بدأت في صنع فقاسة راعيت فيها كل المتطلبات الفنية للفقس من رطوبة وحرارة وتقليب للبيض.
أستاذتنا الدجاجة!
لقد اكتشفت أن كل التقنيات الحديثة في عالم الدواجن لم تكن اختراعا بشريا، وإنما درس من أستاذتنا الدجاجة، فالمصمم الأول للفقاسات لم يخترع شيئاً جديداً وإنما كان ينظر إلى ما تقوم به الدجاجة وما تتبعه من طرق وخطوات لإتمام عملية التفقيس، كما علمها الخالق العظيم .
وعملية التفقيس تمر بمراحل عديدة تتمثل في الاحتضان والدفء، ثم التعرض للهواء، وأخيرا التقليب. فالدجاجة تحتضن البيض وتزوده بالحرارة الملائمة والتي تصل الى 100 درجة فهرنهايت اومايعادل 37.5 درجة مئوية تقريبا،
ثم تبتعد عنه للحظات في كل ساعة مرة أو مرتين وتقوم بتقليبه وتحريكه لكي لا يلتصق جسم الكتكوت بقشرة البيض من الداخل فيتعذر عليه الخروج. كما أن الدجاجة وفي فترة الاحتضان لا تترك أي فجوة بين البيضة وبين المحيط الخارجي لها حتى توفر ما يحتاجه البيض من رطوبة وحرارة .
من علم الدجاجة تقليب البيض حتى لا يلتصق الكتكوت في قشر البيضة الداخلية فيتعذر خروجه منها.
من علم الدجاجة إبعاد البيض الفاسد!
وخلال تلك الفترة تقوم الدجاجة بإبعاد البيض الفاسد، وهنا تتجلى قدرة الخالق عز وجل، والذي هيأ للدجاجة معرفة البيضة الفاسدة من غير الفاسدة لتقوم بإبعادها ولا يعرف سر معرفتها بالبيض الفاسد سواه سبحانه وتعالى. وتستمر الدجاجة في احتضان البيض ثمانية عشر يوماً تحت درجة (37.5) درجة مئوية من جسمها، وخلال هذه الفترة تحصل الدجاجة على احتياجها من أكل وشرب بين الفينة والفينة .
تجثم الدجاجة آخر 3 أيام بلا طعام!
وبعد انقضاء ثمانية عشر يوماً تتبقى ثلاثة أيام متتالية على التفقيس، فتظل الدجاجة جاثمة على البيض دون أكل أو شرب، وتزيد درجة حرارتها من أربعين إلى ثلاث وأربعين درجة، ولا تتحرك ولا تبتعد إطلاقاً عن البيض خلال هذه الثلاثة أيام. من علم الدجاجة ذلك؟ سبحانك اللهم أحسن الخالقين.
وعند بزوغ فجر اليوم الحادي والعشرين تخرج الكتاكيت إلى العالم الخارجي الجديد، وبذلك تعتبر الدجاجة هي “الفقاسة”المعلّمة لنا جميعا، وصدق الله العظيم حيث يقول :
((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)).
عالم الدواجن
الدواجن أكثر الحيوانات تكاثراً وسرعةً في التمثيل الغذائي، فالكيلو وثمانمائة جرام من العلف يمكن أن ينتج كيلو جرام من اللحم خلال 32 يوماً .
والدجاج حيوان بسيط المظهر، بالغ التعقيد من حيث التربية والتغذية ومعالجة الأمراض ونوعية التأصيل ـ وهناك شركات عملاقة تجري أبحاثا بالغة التعقيد في نوعية التغذية، ويعمل بها علماء متخصصون في نوعية التغذية وأسلوب التأصيل.
منع تزاوج المحارم!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يتم تزاوج أخوان لأم واحدة، وإلا أنتجا نسلاً ضعيف البنية، ضعيف المناعة، ضعيفاً في التمثيل الغذائي. ويمكن تزاوج أبناء العمومة أو أبناء الخؤولة أو من أم أجنبية. وأمام هذه المعلومة يتمثل قوله تعالى ((وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)) الآية 38 الأنعام.
وتتغلغل مراكز أبحاث الدواجن إلى الجينات الوراثية التي تتحكم في نوعية النسل ومقدرة الحيوان على التمثيل الغذائي وزيادة انتاج البيض ونسبة الفقس في سلالة اللحم كذلك زيادة عدد البيض للطير الواحد وخفض كمية العلف المستهلك في الطيور البياضة والمخصصة لانتاج بيض المائدة بالاضافة الى مقاومة الطيور للأمراض المختلفة .
زيادة صافي اللحم الى 75% من الجسم!
وليس هذا فحسب بل أيضاً على خضوعه لنوعية ما يسمى (التصافي) في إنتاج اللحم، أي أن يكون إنتاجه من صافي اللحم أعلى بكثير من نسبته لبقية الأعضاء غير المستفاد منها مثل المعدة والأمعاء والرأس والأرجل .. كأن يكون صافي اللحم 72% إلى 75%. وتتنافس مراكز (التأصيل) على هذه النسب وعلى خلافها من أجل تحسين الإنتاج كزيادة نسبة البيض و(التفقيس) وسرعة النمو وتحسين معامل تحويل الاعلاف سواء الى اللحم او الى البيض، وقوة المناعة ضد الأمراض المختلفة.
مليونيرات الديوك!
وتحاط أعمال هذه المراكز بسرية تامة في أبحاثها وقد تتبادل المنافع فيما بينها، كأن تبيع مؤسسة على أخرى بعض أنواع الديوك (المؤصلة)، التي قد تصل قيمة الديك الواحد منها إلى مليون دولار. ويستفاد من هذا الديك (المليونير) في تحسين النسل أو إظهار نوع جديد من الدجاج. وقد تشتري بعض المراكز السلالة الواحدة المكونة من عشرة إلى عشرين طيرا بملايين الدولارات .
وهناك مراكز للتأصيل في أمريكا وأوروبا تعد على أ صابع اليد الواحدة، وهي التي تموّن العالم بأنواع الدجاج المؤصل، فيما يفتقد عالمنا العربي والإسلامي لمركز أبحاث واحد! كم أتمنى أن تتعاون الحكومات والجامعات مع القطاع الزراعي الخاص لإنشاء مراكز للتأصيل.
بحوثنا لم ترق إلى “التأصيل”
لقد أمضت مزارعنا خمسين عاماً في إنتاج الدواجن توصلنا خلالها إلى إنتاج (الأمهات) و (الجدود) ، ولكننا لم نتوصل بعد إلى أبحاث (التأصيل) التي تتطلب تقنية عالية، وكذلك فإن المتخصصين في هذا المجال يندر الحصول عليهم وهم في صفوف علماء الذرة من حيث الأهمية .
ولعل جامعاتنا تهتم بهذه التخصصات فتدرسها، وتعنى بالبحوث والدراسات في هذا المجال، فتخرج لنا باحثين ومتخصصين وعلماء يسهمون في خدمة وتطوير صناعة الدواجن، التي باتت تشكل موردا من أهم موارد الأمن الغذائي لأمتنا.
تجارة وتصنيع الدواجن
لم تنجح تجربتي الأولى في التفقيس فكررتها من جديد، حيث استوردت فقاسة بحجم 500 بيضة من خارج المملكة، فكانت تلك الفقاسة هي بداية الإنطلاق في هذه الصناعة. ولأن حجم الفقاسة لم يكن كافياً لإنتاج الدواجن بكميات تجارية، اشتريت أرضاً من أمانة العاصمة المقدسة في حي “العزيزية”وأنشأت بها مزرعة للدواجن مساحتها ألف متر مربع. ولم تكن تلك الفقاسة تكفي لعمل برنامج متتالي لإنتاج (الدجاج اللاحم) فبدأت استورد ما يسمى بــ(الصوص) أو (الكتاكيت) بعمر يوم واحد من لبنان، التي كان سبقتنا في هذا المجال. ونجحت والحمد لله في هذه المرحلة مستعينا بعد توفيقه عز وجل بالخبرة اللبنانية .
الإستعانة بالخبرة اللبنانية
كان في لبنان مختبر اسمه (الفنار) يضم نخبة من أطباء البيطرة العالميين، ويتم فيه إنتاج اللقاحات للوقاية من الأمراض وهو ما تحتاجه الدجاجة من حين لآخر بالإضافة الى تدريب الاطباء البيطريين والمهندسين الزراعيين على عمل الفحوصات المختلفة للطيور وكان يرد اليه الكثيرون من الدول العربية المجاورة .وقد اخذت الفكرة من مختبر الفنار واسست مختبرا صغيرا في البداية لفحص الطيور وفحص مناعتها ضد الامراض وطورناه وجهزناه بالكمبيوتر والمعدات الحديثة والخاصة بالكشف عن أمراض الدواجن المختلفه وبإشراف فنيون متخصصون في هذا المجال واصبح يضم أقسام متعددة لفحص الطيور من حيث الامراض البكترية والفيروسية التي تصيبها الطيور وفحص مناعتها للامراض المختلفة وكذلك فحص وإنتاج اللقاحات بلإضافة الى فحص المواد العلفية الخام لضمان جودتها وعدم تلوثها بالميكروبات التي قد تضر بالطيور لاحقا.
كانت المزرعة الأولى تستوعب عشرة آلاف دجاجة، وهذا العدد يعتبر ضئيلاً أمام ما يحتاجه السوق، ومع ذلك فقد كنا نعاني من تسويق هذه الكمية لجمهور لم يألف بعد أكل الدجاج. ولذلك لم يعد دورنا هو الإنتاج فقط، وإنما أضيف اليه التوعية والتسويق، لإقناع الناس بأكل الدجاج.
مغالاة أصحاب البقالات!
تذكرت وقتها ما قمنا به من جهد في اقناع المستهلكين بالسمن النباتي، وبدأت بمحاولة التسويق عن طريق البقالات .لكنني فوجئت أن أصحاب البقالات يعتبرون الدجاج سلعة غير مرغوبة، تحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت لبيعها، فأخذوا يغالون في هامش الربح الذي يفرضونه على الزبون بما يعادل ثلاثة أو أربعة أضعاف هامش الربح الذي نكسبه نحن، رغم أن المعاناة التي نبذلها لتربية الدواجن حتى تصل إلى البقالة، تعادل أضعافا مضاعفة ما يبذله صاحب البقالة.لذا فكرت في إيجاد منافذ مستقلة للتسويق لكي يباع الدجاج حياً ونجحت الفكرة، ولله الحمد، نجاحاً منقطع النظير .
نجاح الدجاج بالمسالخ الصغيرة
وتزايد الإقبال يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر على الدجاج بشكل كبير، فأسست فروعاً في مكة المكرمة لكي يذبح فيها الدجاج الحي وينظف ويعبأ في أكياس نايلون، ويستلمه الزبون طازجاً دون أن يتعرض للتخزين في الثلاجات . وصادفت هذه الطريقة هوى المستهلك الذي يرغب في أن يأكل لحماً طازجاً غير مخزن لمدة طويلة تفقده طعمه ونكهته . ونجحت ولله الحمد في ذلك نجاحاً كبيرا، كما نجحت أيضا في الاستقلال بهوية الإنتاج وأصبح (دجاج فقيه) المنتج الذي ثبت في أذهان المستهلكين حتى اليوم.
مزارع الطائف والعقبات!
تزايد الطلب ووقف الناس في طوابير امام منافذ البيع، كما لم تعد مكة المكرمة هي السوق الوحيد للدواجن، حيث تم افتتاح مزرعة للدواجن في مدينة الطائف، خاصة أنها تمتاز بجوها اللطيف الذي يناسب الطيور .. فالجو الحار وخاصة في صيف مكه، يضطرنا إلى عمل تهوية مكلفة. أما في الطائف، ومنطقة الهدا بالذات، فإن جوها البارد على مدار السنة، يساعد على مزيد من الإنتاجية بتكلفة أقل. كما أن الماء متوفر فيها بكثرة ويسر.
وهكذا توسع الإنتاج وتضاعف، وأصبح المركز الرئيسي للإنتاج هو الطائف بدلا من مكة المكرمة. لكن هذا التوسع لم يكن سهلا فقد واجهت صعوبة في الحصول على التصاريح التي تعينني على انشاء مزرعة كبيرة لمقابلة الطلب المتزايد من الجمهور، حيث أصبح الدجاج وجبة لاتغيب عن أي بيت أو مطعم أو فندق .
تحدي إجراءات التراخيص
كانت الصعوبة تكمن في الإجراءات الطويلة للحصول على التصريح بإنشاء مزرعة للدواجن و الجهة المخولة في إعطاء التصاريح هي “البلديات.”وكان رئيس بلدية الطائف آنذاك الشيخ عبد الله المهنا، رحمه الله، يقدر أهمية وقيمة المزارع ومدى خدمتها للجمهور، فشجع إقامة تلك المزارع في أطراف مدينة الطائف وقراها حتى لا تشكل أي أزعاج للمناطق السكنية. لكن المشكلة أن تصاريح البلدية مرتبطة بتخطيط المدن والتي تأخذ ردحاً طويلاً من الزمن حتى تدرس أي مشروع سواء كان مبنى أو منشأة، ثم بعد ذلك تصدر موافقتها .
وحتى لايتعطل البدء في مشروع مزارع الطائف فقد أوجد لي الشيخ ( عبد الله المهنا ) حلاً لتخطي هذه الإجراءات والعقبات فيه الكثير من المجازفة والمغامرة ، وهو أن أكتب تعهداً بأن أمنح التصريح شريطة أن لا أطالب الحكومة بأي تعويض في حال وجود اعتراض من تخطيط المدن وضرورة إزالة هذه المنشأة.
بناء المزارع بدون تراخيص تخطيط المدن!
وأمام تزايد الطلب على الدجاج، وحرصي على الوفاء بتلك الحاجه الملحة، والتي لايمكن تحقيقها إلا بالتوسع في إنشاء المزارع، ورغم عدم معرفة ماستقرره إدارة تخطيط المدن فقد وافقتُ على شرط رئيس بلدية الطائف، وكتبتُ العشرات من تلك التعهدات واستمر بناء المنشآت مزرعة بعد
أخرى.
ومقابل التوسع في الإنتاج، توسعنا في التسويق والتوزيع، فاستمر فتح الفروع وتزايدت أعدادها في مكة ، وجدة ، والطائف ، والرياض ، والمنطقة الشرقية ، والمنطقة الجنوبية حتى وصل عدد هذه الفروع الى اكثر من 700 فرع . وخلال سنوات قليلة (25 سنة تقريبا ) تضاعف عدد مزارع الامهات واللاحم والفقاسات الخاصة بإنتاج صيصان اللاحم وانشأت مزارع الجدود والفقاسات التابعة لها لانتاج صيصان الامهات محليا وبذلك تزايد الإنتاج السنوي من طيوراللاحم من عشرة آلاف طير يوميا إلى مائة ألف، ثم إلى نصف مليون.
الدواجن في زمن “الطفرة”
أطلت الطفرة التي عاشتها بلادنا مع بدء ارتفاع أسعار البترول في عام 1390هـ ـ 1970م ، ثم وصولها لمستويات عالية أثر قطع البترول عن الدول المؤيدة لإسرائيل بعد حرب رمضان عام 1393 هـ 1973 م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *