حوار

الباحثة والناقدة بجامعة الطائف (مستورة العرابي).. لـ( البلاد): المثقف الجبان.. مكانه بيته.. و(الشللية) اطفأت وهجنا الثقافي

مهرجاناتنا الثقافية.. انزلقت الى المناشط المبتذلة والمسابقات المعلبة

لدينا «حراج اليكتروني» مخجل.. مليء بالتسول وبيع المتابعين حتى للمشاهير

تراجع النقد سببه ضعف النصوص وبرودتها واسقاط النظريات الغربية عليها

أدب الميديا.. مطلب حضاري.. وجامعاتنا مسؤولة عن تأخرنا في ذلك

 

حوار: بخيت طالع الزهراني

الاستاذة (مستورة العرابي) محاضرة في جامعة الطائف، وباحثة في مجال الادب والنقد، وكاتبة عمود صحفي بالشرق، ورئيسة لجنة المواهب بنادي الطائف الادبي.. احيت عدة امسيات نقدية في عدة محافل ومنابر، اخرها في نادي تبوك الادبي، وكان كتابها “التشكيل الجمالي” في شعر عبدالعزيز خوجة احد كتبها النقدية التي عرضت فيه الانماط الايقاعية لشعر د. خوجة بين التقليدي وقصيدة التفعيلة المفردة وتعدد القوافي.
(البلاد) استضافت الناقدة (مستورة العرابي) القادمة بقوة الى ساحة النقد الادبي، حيث اجابت عن تساؤلاتنا بموضوعية وجرأة ودقة، موضحة دور المثقف في حياة الامة، وان عليه ان يكون جريئاً، والا فليحفظ ثقافته ومنقولاته لنفسه.. كما تحدثت ضيفتنا عن مسالة “الشللية” في الساحة الثقافية، حديث القريب من المكان، والكاشف الدقيق لما يرى فيه ومن خلاله.
وواصلت الاكاديمية “مستورة العرابي” حديثها لنا عن “العالم الرقمي” الذي صار جزءا محورياً من حياة انسان اليوم ودور التقنية في نشر الثقافة والنص الادبي، وكذلك من الجانب الآخر حالة الفوضى او “الحراج الاليكتروني” كما اسمتها ضيفتنا والذي صار سمة البعض في موقع “تويتر” على جه الخصوص.
وكان لنا هذه المقابلة مع ضيفنا تعريجات على الاغاني الشعبية وتوظيفها في التجارب الشعرية، واتهام النقاد بانهم متأخرون عن مواكبة الابداع القصصي والروائي والشعري، وما يقال من بعض شبابنا من سلبيات، وترف ونكوص عن العمل الجاد، واشكالية تربية الابناء وحكاية “منتصف العصا”.. الى اخر ما تداولناه من قضايا.. هنا النص الكامل للحوار الذي دار حولها:

مستورة العرابي ـــ باحثة وأكاديمية بجامعة الطائف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•• كأكاديمية وباحثة في الأدب والنقد بجامعة الطائف ، إلى أي مدى يمكن للجامعة أن تصنع مبدعًا ؟
• تعتبر الجامعات بمثابة المعامل التي تولد فيها الأفكار الإبداعية والبحثية ، ومن أبرز المؤسسات التي تسهم في دفع عجلة التنمية بجميع أبعادها ، وذلك من خلال السعي لاستثمار المواهب والطاقات الإبداعية ، وإتاحة الفرصة للمبدعين والباحثين للمشاركة في الملتقيات والمؤتمرات والمهرجانات والكراسي العلمية وسيمينارات البحث والحلقات الحوارية الحيوية لإشباع حاجاتهم .
وكذلك إشعارهم بقيمة الولاء والانتماء للوطن ، وإبراز الوجه الحضاري للجامعة ، وتنمية قدرات الإبداع والتذوق لقيم الجمال والإتقان والمثابرة ومشاركة العالم المتقدم في إنتاج المعرفة والإبداع معًا .
•• أنت كاتبة في صحيفة الشرق ، لماذا الكتابة في الشرق تحديدًا ؟
• لست متحيزة للكتابة في صحيفة معينة ، ولا يهمني أن أستعرض بأني من كتاب هذه الصحيفة أو تلك ، إما لنوعية كتابها أو طرحهم ، إنما يهمني إيصال رسالة أو قناعة أو فكرة أو رؤية معينة ؛ فأول ما كتبت بصفحة مداولات ، بعد ذلك انتقلت إلى صفحة الرأي لأقدم من خلالها رأيًا يحمل مسؤولية وصفة كاتب وليس مشارك من خارج الصحيفة .
وهذا ما دعمني للالتزام بالمقالة الأسبوعية لأكثر من عام في صفحة الرأي , لتكون بذلك الشرق بيتي الأول الذي يحمل نفس الحنين لكل البدايات ، متمنّية أن تعود الشرق للبدايات في احتراف العمل الصحفي والبريق الإعلامي , الذي صدرت عليه كونها الصحيفة الأولى في عهد المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز .
•• من واقع مسؤوليتك رئيسًا للجنة المواهب بنادي الطائف الأدبي .. ماهي مخرجاتكم ؟
• اتجهت لجنة المواهب لتشجيع المواهب الشابة بالطائف ومراكزها ، وتفعيل مناخ أدبي ثقافي يستقطب الشباب بالإضافة إلى تنشيط الحراك الثقافي بالمحافظة ، وذلك من خلال إقامة دورات ومسابقات كالمسابقة الثقافية العامة ، وتشمل الشعر والقصة والنص المسرحي والمقالة النقدية ورسم لوحة فوتوجرافية بهدف الارتقاء بهذه الفئة العمرية ، وإيقاظ ذائقتها الأدبية والإبداعية .
•• تتحدثين كثيرًا عن جرأة ودور المثقف .. ماذا تقصدين تحديدًا ؟
• أولاً الثقافة رسالة وموقف وممارسة ، وليست حديثًا دائمًا مكرورًا واستشهادًا بمحفوظات ، وماذا قال برناردشو ورولان وجيرار ودوسوسير وغيرهم .. الثقافة أن يكون للمثقف بصمة واضحة في المجتمع , للوصول إلى مستوى العطاء والتفاعل , والمشاركة , والتغيير نحو الأفضل , بعيدًا عن تورم وخداع الذات ، خصوصًا مع هذه القفزة التقنية التي ساهمت في انتشار الوعي ومعايشة القضايا ، أما المثقف الجبان فمن الأفضل له أن يحتفظ بثقافته ومنقولاته لنفسه .
•• هناك من يصم الأندية الأدبية بالتقصير في خدمة الجيل الجديد وثمة من يتهمها بالشللية … أنت كيف ترين المسألة ؟
• يتمثل دور الأندية الأدبية في تحفيز النشاط الأدبي والفكري والإبداعي ، وتحقيق التوازن الثقافي لتنوير المجتمع ورفع مستوى وعيه ، أما الشللية والصراعات ؛ فلا تخلو منها الأندية الأمر الذي أدّى لتشتت الجهود ومنع استمرار الوهج الثقافي .
كذلك لم تسلم من التدخلات الخارجية التي أثرت سلبًا على مناشطها حضورًا وتفاعلاً .. وأما الجيل الجديد فقد تجاوز صراعات الأندية الأدبية وخلافاتها وركودها , وأفاد كثيرًا من المواقع الافتراضية في نشر إبداعاته ؛ فأصبح حاضرًا بقوة , ينشر ويناقش ويتفاعل , بحكم وعيه وعلاقته القوية بالمنجز التقني .
•• ما الرسالة التي تريدين إيصالها من خلال غواية أدب ” الميديا ” ؟
• صبح الانخراط في أدب الميديا مطلبًا حضاريًّا بامتياز ، وإن كان لايزال لدينا يخطو باحتشام وهذا يتعلق بوضعية النقد الأدبي ومتابعته لحالات تطور النص الأدبي ، كما أن الجامعات تتحمل جزءًا من هذا التأخر ، ويعود أيضًا إلى علاقتنا بالتقنية , وهي علاقة استهلاكية أكثر من كونها علاقة منتجة .
لذلك علينا أن نعقد تصالحًا مع كل جديد ونتعامل معه بنوع من الاكتشاف والأنس وليس النفور بسبب الجهل التقني ؛ فمواقع الميديا أخرجت الأدب والإبداع من عزلة النخبوية المتخصصة إلى فضاء العامة ، ومن حيز المنابر المحدودة والنشر الورقي إلى مواقع التفاعلية الرحبة , من خلال إتاحة قدر كبير من الحرية للمبدع للتعبير عن آرائه ووجهات نظره .
فهذه المواقع تمثل منعطفًا فعالاً في انتشار الإبداع الأدبي وتفعيله إنسانيًّا ، وبفضل الرقمنة أصبح الإبداع بضغطة إنتر بين يدي المتلقي محليًا وعربيًّا وعالميًّا بكل تدفقه ونبضه ، دون المرور بمصافي النشر ، وسوء التوزيع والطباعة ، فلا يلبث المبدع أن يغرد أو يكتب قصة أو قصيدة حتى يجد صداها مباشرة من المتصفحين , إما بالنقد أو الإعجاب أو طرح التساؤلات التي من شأنها إثراء العمل الأدبي، ما يعطي الفرصة للمتلقي أن يناقش مكامن النص , باعتبار النصوص كائنات حية تنتعش بالاستنطاق والنقاش والتأويل والتفاعل .
كما أنها أتاحت الفرصة للمواهب الشابة في نشر إبداعها وتوجيهها للمسار الصحيح ، بالإضافة إلى تطوير الأجناس الإبداعية وتجاورها وخلق فنون إبداعية جديدة تحلق في فضاء الميديا ، وإن كانت لا تخلو هذه المواقع من الوهم والمجاملات والمصالح المتبادلة والتهليل للمدّعين , وهذا من شأنه تخريب المشهد الأدبي والخلط بين الجيد والرديء ، ولكننا دائمًا نعوّل على الذائقة الواعية .
•• ما رأيك في النصوص التي تنشر على فيس بوك وتويتر ؟
• ما ينشر اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي , من نصوص وليدة اللحظة أمام الجمهور , حيث ساحة التفاعل وحصد اللايكات والكومنتات ظاهرة تستدعي الانتباه وتستحق التأمل , حيث الاستجابة المباشرة للحظة التي يعيشها المبدع ؛ فهي تجربة ناجحة للبوح وعدم مطاردة مساحة الحرية المسؤولة .
كما أنها تمنح فرصة للمبدع في أن يعيد نظره في نصه المنشور , على خلاف النص الورقي .
•• كيف ترين الصحافة الورقية , في ظل تنامي الصحف الإلكترونية ؟
• في ظل تنامي الإعلام الرقمي , وظهور الكثير من المؤشرات الإيجابية الدالة على تنامي قوته وتأثيره مستقبلا , واتساع قاعدته الجماهيرية ، وتغير أذواق القراء ، وسرعة الحصول على المعلومة والتعرف على الأحداث اللحظية بأقل تكلفة ، بالإضافة إلى تمتعه بهامش أكبر من الحرية والتفاعلية ؛ فإن الصحافة الورقية في مأزق بسبب طرحها التقليدي .
كما أنها لا تتماشى مع الواقع المعاش ، ومستقبل الأجيال القادمة , التي ستكون بالطبع أكثر استيعابًا واعتمادًا وتأهيلاً ووعيًا لذلك .
•• كيف تنظرين لمسارات المهرجانات الترفيهية والثقافية , في الإجازات والأعياد ؟
• المتتبع لمسارات المهرجانات الترفيهية والثقافية في الإجازات والأعياد , سيكتشف مدى ابتعادها عن المضامين الثقافية والترفيهية الضرورية , لتدخل في نفق الأنشطة المبتذلة والمسابقات المعلبة , والبرامج الفكاهية الساذجة ؛ فالهدف الرئيس منها ليس الترفيه فحسب؛ بل هناك هدف ثقافي وتربوي وتنويري لغرس القيم النبيلة والارتقاء بمستوى وعي الأفراد والجمهور، والشعور بالانتماء الوطني والحضاري , لكي تسهم بدورها في خلق ثقافة تناسب هذا الجيل الواعي وتساير المرحلة والتحديات الراهنة .
فالحاجة أصبحت ملحة لإعادة قراءة وضع مهرجاناتنا الترفيهية والثقافية , بأسلوب فني وعصري بعيداً عن الطرح الممل والجامد , لتصب في نهر واحد يرتشف منه الجميع ، ويصبح هناك مزيد من التكاتف بين جميع الجهات المعنية بالعمل الثقافي مع مؤسسات السياحة لتقدم جميعها عملًا تكاملياً , يُظهر الصورة الجميلة والإيجابية لمهرجاناتنا ومناسباتنا .
وأن تمنح الفرصة لشباب متخصصين , في تخطيط المهرجانات , بدلاً عن أن تهدر الجهود سدى , نتيجة قرارات بيروقراطية أو قرارات متسرعة غير مدروسة وغير منطقية .
•• لماذا تقولين في بعض مقالاتك أن مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بالحراج الالكتروني ؟
كنت أشير في هذا المقال إلى وسائل الاحتيال والتسول والتباهي بعدد المتابعين إلكترونياً، والتي أصبحت حديث المجالس , يلجأ إليها من يبحث عن تلميع صورته أمام الآخرين ؛ فبرزت تلك الظاهرة بشكل واضح من خلال تلاعب ظهر في أرقام المتابعين , لبعض الساسة والدعاة والفنانين والإعلاميين والرياضيين والأشخاص العاديين , لتكون حساباتهم الشخصية في قائمة الأكثر تأثيراً في تلك المواقع , في حين أن أغلب متابعيهم وهميون وغير فاعلين , متناسين أن البحث عن قيمة الذات في قشور تافهة , ما هو إلا خواء ثقافي وروحي وعاطفي.
فمن يتتبع تلك السوق السوداء يجد أن نشاطات تجارها تتنوع ما بين بيع فولورز تويتر , وانستغرام وكيك ، وسناب شات ، بيع لايكات، والحصول على مشاهدات يوتيوب بنسب عالية ، بيع معجبين لصفحات فيسبوك ؛ بل ويتفنن تجار هذه السوق في خدمات البيع , وباقات الترويج والعروض الخيالية , لجذب المقبلين عليها .
إن التعامل مع العالم الافتراضي يعكس درجة وعي الفرد والمجتمع ، وهو ما يؤكد أن هناك دوراً توعويّاً وتربويّاً يجب أن تقوم به الجهات المسؤولة عنه , قبل الدور الرقابي والقانوني في مثل تلك الأمور , حيث إن ارتفاع درجة الوعي يقلل من فرصة نجاح مساعي المحتالين , في الحصول على الأموال دون وجه حق.
•• إشكالية الإمساك بمنتصف العصا في تربية الأبناء .. كيف ترينها هاجسًا اجتماعيًّا ؟
أصبحت الحياة اليوم تمر بتعقيدات , إلى الحد الذي أحدث فجوة كبيرة بين الأجيال ؛ فبات الابن يأخذ الرأي والمشورة من وسائل الإعلام , بمصادرها المتنوعة لسهولة توافرها ؛ فكثرت الشكوى من الآباء في صعوبة السيطرة على الأبناء , أو التصدي لهذا الانفجار المعرفي المذهل , الذي يحتاج إلى مواكبة سريعة وملاحقة لكل جديد .
جيل اليوم جيل ديمقراطي يرفض أن تُملى عليه التصورات , والإجابات المعلبة والحلول الجاهزة ، ويرغب في محاورته والإنصات إليه , وعدم إفقاده الثقة بنفسه ؛ لذلك على الآباء أن يعيدوا النظر في تأهيل أنفسهم , والتقرب إلى أبنائهم بروح العصر والتخلي عن الفوقية , وعدم سجنهم في عباءة الماضي .
•• شبابنا الكثير منهم هائم على وجهه ، لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط ، من أوصلهم لتلك الحالة , وكيف نستعيدهم إلينا ؟
معلوم أن الشباب هم صنّاع المستقبل والاستثمار الأقوى في خزانة الوطن ، ولكن مع هذا الفيض الجارف من المفاهيم والمؤثرات والصراعات الفكرية ، وغياب وسائل الترفيه والتسلية ، وممارسة أساليب النمطية القديمة ، والدور الوعظي المتطرف , أصبح شبابنا يتخبط , ويبحث عن حياة كريمة واعية , متطلعة نحو الأفضل .
فكما هو بحاجة إلى بيئة تعليمية جيدة وفرص وظيفية مناسبة وسكنا جيدا , كذلك هو بحاجة إلى من يعترف بأحلامهم وطموحاتهم وتنمية مواهبهم , والاعتراف بدورهم دون تدخلات دائمة وإملاءات مستمرة ، وأنا على يقين تام بأن ما في عقول شبابنا من اتزان، وما في قلوبهم من إيمان وشعور بالمسؤولية واحترام النظام، وما في دمائه من حرارة واشتعال , لكفيلٌ أن يقطع بنا شوطًا بعيدًا نحو عالمٍ أوسع أفقًا.
•• كيف تنظرين لمستوى الشعر الخليجي .. على ضوء ما عشتيه مؤخرًا في نادي الطائف من استضافة لهم ؟
سعدت كثيرا لاستضافة ملتقى الشعر الخليجي في أحضان طائف الورد ، لأمرين , الأول : توجه الوزارة إلى نشر فعالياتها على كافة أرجاء الوطن ، والثاني : لأنني سأتمكن من حضور كافة فعاليات الملتقى , ولقاء شاعرات الخليج والوطن كافٍ للتحليق في فضاء الإبداع والأدب ..
افتتح الملتقى في أجواء بهيجة من التنظيم غير المسبوق في ملتقيات وزارة الثقافة، وفي كرنفال شعري راقي المستوى , شدا خلاله ستة شعراء بقصائد رائعة ، زاد عمق خصوصيته حضور فن المجس الحجازي الأصيل , وزادت اللحظات إشراقاً بتلك الحميمية بين الحاضرات من مبدعات الخليج ومتذوقات الشعر.
ولم يقتصر الملتقى على الفعاليات الثقافية؛ بل كان للسياحة نصيب وافر , انعكس على المشاركين وجللهم بسعادة بالغة، فزيارة الشفا , ومصانع الورد الطائفي , والمكتبة العامة , وقصر شبرا التاريخي , والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية , وحديقة الكر المائية .
ولعلي لا أنسى حضور أبناء وبنات الطائف على مدى أيام الملتقى الأربعة , الذي غيّر النظرة إلى قلة حضور الفعاليات الأدبية والقاعتين تغص بالحضور , إلى درجة وقوف بعضهم لامتلاء المقاعد.
كمتذوقة للشعر راقتني بعض النصوص، وحلقت معها عالياً، ولا أعد التباين في مستوى القصائد عيباً، لأن للشعر متذوقيه، فما لا يروقني قد يعجب غيري، ولن أتوقف عند هذه النقطة، لكن كمهتمة بالنقد , تمنيت لو أن الأوراق النقدية المقدمة كانت أكثر شمولية وتركيزاً، فناقدون من السعودية , وناقد من عمان تحدثوا عن تجارب خاصة أو إقليمية، وناقد فقط تحدث عن الإبداع وثقافة الشاعر بصفة عامة .
وتمنيت لو أن اللجنة القائمة على الملتقى ألزمت أصحاب الأوراق النقدية, بمناقشة عنوان الملتقى تحديداً على مستوى الشعر الخليجي، أو مناقشة النصوص التي ألقيت في الملتقى , من خلال العنوان « القصيدة المعاصرة في الخليج في ظل المتغيرات الحديثة » ، فكأن الأوراق النقدية لم تحضر إلا ليقال إن النقد حاضر في الملتقى ، فكانت نشازاً ـ في نظري على الأقل ، ولكن هذا لا يقلل من النجاح الباهر للملتقى ، وتلك الابتسامة المرتسمة على وجوه المشاركين والمشاركات دون استثناء، وانطباعاتهم , التي عبروا لي عنها بإعجاب خالف توقعاتهم وانطباعاتهم عن الملتقيات.
•• لماذا النقد متهم بأنه لم يواكب الإبداع .. ومن هم أبرز النقاد على الساحة المحلية ؟
ربما يعود لضعف الإنتاج الأدبي , فهناك نصوص باردة غثّة لا تثير اهتمام الناقد ولا تستوقفه ، فضلا عن أن يقرأها نقديًّا ، وربما يعود لانشغال النقاد بالنظريات النقدية الغربية , وتطبيقها على التراث الأدبي القديم , للتدليل على أسبقية العرب للوصول إلى هذا أو ذاك .
ومع ذلك لاتزال الساحة المحلية تحتفظ بالأسماء النقدية الفاعلة والمتفاعلة مع النتاج الأدبي ، ولديها ذائقة للتمييز بين الجيد والردئ ، وتمتاز بشفافية نقدية عالية … كالدكتور سعد البازعي , والدكتور عالي القرشي , والدكتور سعيد السريحي , والدكتور معجب العدواني , والناقدة الدكتورة لمياء باعشن , والأستاذ محمد العباس وغيرهم .
•• هل المعادل الموضوعي يحمي الأدب من التعبير العاري المباشر . ؟
نعم ؛ فالمعادل الموضوعي هو ما نادى به ” ت . س . اليوت ” في مقالته الشهيرة ( التراث والموهبة الفردية ) حيث أبرز بوضوح كامل أن مهمة الشاعر لا تتمثل في التعبير عن شخصيته , وإنما تتمثل بالضرورة في الهروب منها ؛ فاقترح هذا التكنيك الفني الذي يلجأ إليه الشاعر تجنبًا للتعبير الصريح واللفظ المباشر .
وفيه يقوم الشاعر بإسقاط تجربته الخاصة , ومشاعره الذاتية على حدث من أحداث الواقع الخارجي , بهدف استغلال الإيحاءات التي ارتبطت بها في الأذهان , شريطة وجود علاقة بين التجربة الخاصة والحدث أو الموقف الذي يتناوله الشاعر .
س: ما رأيك في مقولة : ( لولا الألم ما كان الإبداع )؟
الألم والقلق ظاهرة ونزعة موجودة على امتداد عصور الأدب ؛ فالمبدع بطبيعته مسكون بالقلق والتوتر , لأنه أكثر من غيره إدراكا ومراقبة لحركة الأشياء من حوله ؛ فالقلق هو الوقود المحرّك والمغذّي للعملية الإبداعية .
فمثلا من يقرأ تجربة المعري , وأبي القاسم الشابي , وصلاح عبد الصبور , وشوقي , والسياب , والبردوني وغيرهم .. يجد أنها تنضج على نيران الخيبات والحرمان والغربة والآمال المتلاشية , ومخاطبة الخواء النفسي ومعاناة المرض والعمى واليتم والإحباط , والإحساس بالمسافة بين الحلم والواقع .
قلق يمتزج فيه الرومانسي الحالم , بقلق المثقف المرهف , الذي يتطلع للانعتاق من رتابة الساكن المحيط به .
•• ما رأيك في توظيف الأغاني الشعبية في التجارب الشعرية ؟
يمكن القول بأن الخطاب الإبداعي قد أتقن عملية استلهام التراث بكافة أشكاله , كمادة معرفية وكمنجز إنساني ، ومن أبرز أشكاله الأغنية الشعبية , التي تعد أحد ملامح تاريخنا الراسخ وتراثنا العريق .
وقد حاول الشعراء وبخاصة أصحاب التجارب الشعرية الحديثة التوجّه إلى الفلكلور الشعبي , والإفادة منه معرفيًّا وجماليًّا , وتوظيفه في أعمال إبداعية تخطو بالذائقة الفنية قدمًا .
كونه يمثل تجربة إنسانية صادقة لتصوير ما يعجز عن البوح به , والسعي لتعميق الدلالة , وتشكيل مظهر من مظاهر التواصل الفكري مع المتلقي ، خصوصًا مع هذا التيار الاستهلاكي , الذي يغلب عليه التسطيح والفجاجة والتكرار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *