رؤية : د. محمد الرفيدي
عن الشحاذة في الشعر، أقول : كانت تجربة بدر بن عبد المحسن غنية عن الكتابة في هذا الغرض ؛ ذلك أن البدر لم يتملكه داعي العوز ، فنحن نعلم أنه يصدر عن أسرة – على أقل تقدير – لا تحتاج لأن تتكسب بشعرها ، بالمقابل كان هناك شعراء ذوي تجربة فردية مثل بدر ، لكنهم كانوا من العوز بحيث أسهموا في إثراء هذا الغرض من الشعر ( الشحاذة ) إثراء عجياً ، ومنهم : خلف العتيبي ، وخلف هنا ليس بدعاً من الشعر ولا الشعراء ، فقد حفل التأريخ العربي بكثير من أولئك المتكسبين ، ونذكر – على سبيل المثال – المتنبئ ، ومن المتأخرين : الشاعر سعد بن جدلان ، الذي صرّح بهذا في أكثر من لقاء .
بالمقابل ، كان هناك تجارب أخرى ، وجد داعي العوز لديها ، لكنها كانت تحمل صفات الرجل العربي الأشم ، فلم ترض لنفسها الانغماس في هذا الباب ، ومن هؤلاء : الشاعر علي القحطاني ” شاعر الجزيرة ” ، هذا الشاعر رغم داعر العوز لديه أحياناً – ولعلي كنت مطلعاً على بعض ظروفه عن كثب – إلا أنه كان يتجاذبه نحو هذا الشعور أمران :
الأول : شعوره بذات الشعور الذي انتاب فهد عافت وسليمان المانع في فترة ما من حياتهم ( شعور البدون ) . ومثل هذا الأمر أحياناً يدفع صاحبه إلى كثير من العزّة التي تردعه عن البوح به .
الثاني : القيمة الذاتية التي يختص بها علي دوناً عن غيره ، حيث كان المقربون منه يذكرون عنه كثيراً من التكتّم الذي كان يحول بينه وبين التصريح بعدم كونه خليجياً .
ثم أتى بعد ذلك موضة التجارب الجماعية ، وكان غرض الشحاذة لديهم شبه معدوم ؛ لأنها كانت تتنازعهم قضايا أخرى ، مثل التجديد ، والتجديد – بحد ذاته – هاجس يكفي لأن يجعل من الشاعر متقوقعاً في داخل تفاصيل هذه القضية ، اللهم إلا ما كان من بعضهم الآخر ، الذين توافرت لديهم تلك الظروف التي كانت تتحكم في خلف العتيبي – أعني كونه مقرباً من السلطة – ومن هؤلاء : مساعد الرشيدي .
أيضاً ، وجد لدى بعض هؤلاء المجددين حاجات أخرى ، غير تلك التي كانت تحكم خلف ومساعد ، هذه الحاجات كانت أشد من تلك التي كانت تدفع مساعد وخلف ، فتبنوا قضايا الشحاذة كهاجس ، من هؤلاء : سليمان المانع وفهد عافت ، كما أسلفت .
أما الشعراء الذين تجردوا لقضايا الشعر ، فهم أولئك النفر الذين لم تشغل الشحاذة أفئدتهم ،فكانوا مشعل وقود للتجربة التي تنكر لها الكثيرون ،ومن هؤلاء شعراء الحجاز ، أمثال : عواض العصيمي ومحمد النفيعي ومحمد الزهراني والحميدي الثقفي ، ومن لف لفهم من خارج المنطقة ، أمثال : الشهري مشرف ونايف الجهني وإبراهيم السمحان .
وهناك فئة غالت في هذا الغرض ( الشحاذة ) فمثلت الصورة الأبشع للشعر الشحاذي ، ومن هؤلاء : محمد بن الذيب وياسر التويجري وغيرهم كثير مما يضيق المجال بذكرهم ، لكن لا ننس أيضاً أن فن الشحاذة قد تطور كذلك ، فلم يعد ذلك الطلب الشعري الجاف ، بل أصبح مغلفاً بتجربة التجديد هو أيضاً.