يكتبها : يوسف الكهفي
عبدالرحمن بن مساعد من القلائل الذين رسموا خطاً واضحاً وصريحاً لتجربتهم الشعرية، ومن القلائل الذين جددوا بالشعر العامي، ومن القلائل الذين ساهموا في تغيير خارطة الشعر وجمهرة الناس حول الشعر والشاعر، لاسيما وأننا نعلم أن الشاعر العربي لا يحظى بجماهيرية؛ كالفنان ولاعب الكرة، إلاّ أن المعادلة مع عبد الرحمن بن مساعد اختلفت تماماً ، ولكي لا يكون حديثي هذا مجانياً أو يوحي لقارئ السطور على أنها مجاملة أو حديث محب أقول: لكم أن تعودوا لكل الأمسيات التي أقامها عبدالرحمن بن مساعد لتعرفوا حجم جماهيريته،
قد يأتي من يقول بأن الأغنية ساهمت في نجاح سموه. وأخالفه الرأي.. وأقول: قد تكون الأغنية رافداً من روافد انتشاره أو وصوله إلى القلوب ولكنه بالنهاية الأغنية لا توصلك.. وقد توصلك لفترة ولكنها تنتهي.. فهذا الرجل خدم نفسه بفكره.. ووصل للآفاق التي أراد أن يحلق فيها بكل تفرد وتميز.
خلال مسيرتي الصحافية وفي العام 2007 تحديداً قمت بإجراء لقاء صحفي مع الشاعر اللبناني جوزيف حرب , ” فيروز ” كانت السبب، صوتها الشجي يحرضني كل صباحية لأن التقي من كتب ” سلملي عليه ” و “أنا عندي حنين ” , استفزني وعي حرب , وشعرت أن الحديث معه سيكون ذو شجون، وفعلاً وجدت أن الحديث معه يمنحك فضاءات مختلفة ومساحات واسعة، هذا الحوار لا يمكن أن يغادر ذاكرتي ما حييت .
جوزيف حرب قال لي:”عليكم أن تقرءوا عبد الرحمن بن مساعد, جيداً “..
رددت عليه:سأفعل..ولكن حدثني عما استوقفك في تجربته ؟..
فقال : ( لعلَّ أكثر ما استوقفني، لدى الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد، هو إيمانه العميق بدور الشعر في تنقيح الروح، وتنقيتها، وحفِّ ما علق فيها من صدأ العالم.
لقد أعاد عبدالرحمن بن مساعد إلى الشعر، صفته الأخلاقية، وصوته الجماعيّ، ورسالته الرائدة، ومنشأه الغنائي الاحتفالي، وكلها، عناصر تميَّز بها الشعر عندما كان القائد الروحي لجعل العالم أكثر نبلاً وجمالاً، وأعمق حباً وسلاماً.
نظر عبدالرحمن بن مساعد، إلى العالم، حوله، فوجده خراباً وخطايا، وتفتَّتاً ومرارات، وخياناتٍ وأضاليل، فكان الشاعر الصارخ، الموبِّخ، القاضي، اللاذع، الغاضب، السّاخر، الناقد، حامل اللوح، والميزان، والكتاب.