جدة

أنين الحيارى

صالح عبدالله بوقري

كَدَأْب الكثير من أبناء جيلي ، كان الكتاب متعة كبيرة نتباهى بها ونتسابق إليها ، ولا فضل لنا في ذلك فلم يكن أمامنا من متعة وقضاء الوقت وخاصة في الإجازات المدرسية سوى القراءة وتبادل الكتب ، وكان أفضل الطرق لاقتناء الكتاب هو البحث عنه في ( بسطات) الكتب المستعملة وأذكر أن بائعا للكتب القديمة والمستعملة كان يجلس في أطراف الحراج يفترش الأرض عارضا الكثير من العناوين المغرية لكتب الأدب والفقه والتراجم، بعضها أقرب للجديد وبعضها نال منها الدهر أو الإهمال أو العثة.

ويجمع كل هؤلاء السعر الزهيد الذي كنا نقدر عليه من مصروف المدرسة وفي كثير من الأحوال كانت الكتب القديمة أو المستعملة تحمل أسماء أصحابها أرقام هواتفهم وأحيانا عناوينهم وأجمل ما كنت أجد فيها التأشيرات على الأسطر والعناوين العامة والتعليقات على الهامش ولا زلت أحتفظ بكتاب فيه من التعليقات والتأشيرات من قارئه ما يعادل عمل المؤلف وكان مقارنة بين شعر عمر بن أبي ربيعة ونزار قباني.

اشتريته من جدة عليه عنوان طالبة في كلية الآداب من جامعة حلوان بمصر ولا أدري كيف وصل إلى الحراج ثم انتهى في مكتبتي منذ كنت في الثانوية وكان من أروع ما اقتنيت من الكتب المستعملة الطبعة الأولى من ملوك العرب لأمين الريحاني وعليه إهداء المؤلف للشيخ محمد الطويل أحد رجال الحجاز الكبار المشهورين ، ويؤلمني اليوم أني فقدت هذاالكتاب ولا أدري كيف ضاع منى وفي الأشهر الاخيرة وأنا أعيد ترتيب مكتبتي وقد انتقلت بها الى بيت جديد وقع في يدي كتاب مستعمل أظنني اقتنيته من زمن طويل من تأليف د. عبدالله مناع بعنوان ( أنين الحيارى ) نشرته الشركة التونسية للتوزيع في بداية السبعينيات الميلادية،

وكنت بالصدفة يومها ذاهبا للقائه في اجتماعنا الأسبوعي الذي ينظمه الأستاذ عبدالله رواس، مع بقية محبي الدكتور المناع وصفوة أصدقائه وعقدت العزم أن أفاجئه به وأهديه له ولكني تراجعت عن فكرة الإهداء بعد أن قرات إهداء من ( خالد ) وهو صاحب الكتاب أو مالكه قبلي والذي من المؤكد أنه اشتراه من عهد بعيد قبل أن يصل إلى يدي إهداء خالد وتوقيعه مكتوب بخط انيق واضح في عبارة رقيقة تتدفق دفئا ولطفا إهداء موجها إلى غاليته. يقول خالد في إهدائه لكتاب أنين الحيارى لكاتبه الدكتور عبدالله مناع ( مع إهدائي لك هذا الكتاب أرجو ان أكون قد وفقت في اختياره .. راجيا أن تجدي المتعة كل المتعة خلال مواضيعه المليئة بالمواقف الإنسانية التي حبذا لو أنها تكون سببا في فتح نافذة على تلك الدنيا موضحة كل ما هو جميل ….)

عزيزي خالد أينما كنت الآن. إن إهداءك الحميم الرقيق منعني من التنازل عن نسختي للمؤلف في لقائي معه بعد أكثر من أربعة عقود على نشر الكتاب ولا ادري بعد كم من السنين بعد إهدائك إياه لغاليتك اثرت ان انتظرك تأخذ مني الكتاب الذي وصلني منذ سنين وقد وجدته مع بايع للكتاب المستعمل ولا أدري متى !

الكتاب عندي أشبه بكائن حي يحمل سمات الانسان ويخفي خصوصياته ويتحول بعد قراءته من مجرد أوراق مطبوعة الى ذكريات وخلجات حميمة عندما نضع عليه اسما او تعليقا ويزيد الكتاب حميمية عندما نترك عليه إهداء لصديق أو حبيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *